صفحة جزء
باب ما جاء في المذي .

38 - ( عن سهل بن حنيف قال { : كنت ألقى من المذي شدة وعناء وكنت أكثر منه الاغتسال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنما يجزيك من ذلك الوضوء فقلت : يا رسول الله كيف بما يصيب ثوبي منه ؟ قال : يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه قد أصاب منه } . رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي . وقال : حديث حسن صحيح .

ورواه الأثرم ولفظه قال : { كنت ألقى من المذي عناء فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : يجزيك أن تأخذ حفنة من ماء فترش عليه } ) .

39 - ( وعن علي بن أبي طالب { قال : كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر المقداد بن الأسود فسأله ، فقال : فيه الوضوء } ، أخرجاه ، ولمسلم : { يغسل ذكره ويتوضأ } . ولأحمد وأبي داود : { يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ } ) .

40 - ( وعن { عبد الله بن سعد قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بعد الماء ، فقال : ذلك من المذي ، وكل فحل يمذي . فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك وتوضأ وضوءك للصلاة } . رواه أبو داود ) .


الحديث الأول في إسناده محمد بن إسحاق وهو ضعيف إذا عنعن لكونه مدلسا ، ولكنه ههنا صرح بالتحديث .

وحديث عبد الله بن سعد أخرجه الترمذي وحسنه . وقال الحافظ في التلخيص : في إسناده ضعف .

وفي الباب عن المقداد " أن عليا أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه أبو داود من طريق سليمان بن يسار عنه .

وفي رواية لأحمد والنسائي وابن حبان أنه أمر عمار بن ياسر .

وفي رواية لابن خزيمة أن عليا سأل بنفسه . وجمع بينها ابن حبان بتعدد الأسئلة .

ورواه أبو داود من طريق عروة عن علي وفيه { يغسل أنثييه [ ص: 73 ] وذكره } وعروة لم يسمع من علي ، لكن رواه أبو عوانة في صحيحه من طريق عبيدة عن علي بالزيادة ، وإسناده لا مطعن فيه . قوله : ( ألقى من المذي شدة ) في المذي لغات فتح الميم وإسكان الذال المعجمة وفتح الميم مع كسر الذال وتشديد الياء ، وبكسر الذال مع تخفيف الياء ، فالأوليان مشهورتان أولاهما أفصح وأشهر ، والثالثة حكاها أبو عمر الزاهد عن ابن الأعرابي . والمذي ماء رقيق أبيض لزج يخرج عند الشهوة بلا شهوة ولا دفق ولا يعقبه فتور ، وربما لا يحس بخروجه ، ذكره النووي ومثله في الفتح .

قوله : ( فتنضح به ثوبك ) قد سبق الكلام على معنى النضح في باب نضح بول الغلام وهكذا ورد الأمر بالنضح في الفرج عند مسلم وغيره . قال النووي معناه الغسل ، فإن النضح يكون غسلا ويكون رشا . وقد جاء في الرواية الأخرى " فاغسل " وفي الرواية المذكورة في الباب " يغسل ذكره " وفي التي بعدها كذلك .

وفي الأخرى : { فتغسل من ذلك فرجك } فتعين حمله عليه ، ولكنه قد ثبت في الرواية المذكورة في الباب من رواية الأثرم بلفظ " فترش عليه " وليس المصير إلى الأشد بمتعين بل ملاحظة التخفيف من مقاصد الشريعة المألوفة ، فيكون الرش مجزئا كالغسل قوله : ( مذاء ) صيغة مبالغة من المذي يقال : مذى يمذي كمضى يمضي ثلاثيا ، ويقال : أمذى يمذي كأعطى يعطي ، ومذى يمذي كغطى يغطي .

قوله : ( وأنثييه ) أي خصيتيه . قوله : ( عن الماء يكون بعد الماء ) المراد به خروج المذي عقيب البول متصلا به . قوله : ( وكل فحل يمذي ) الفحل : الذكر من الحيوان ويمذي بفتح الياء وضمها يقال : مذى الرجل وأمذى كما تقدم . وقد استدل بأحاديث الباب على أن الغسل لا يجب لخروج المذي قال في الفتح : وهو إجماع وعلى أن الأمر بالوضوء منه كالأمر بالوضوء من البول وعلى أنه يتعين الماء في تطهيره لقوله : { كفا من ماء وحفنة من ماء } واتفق العلماء على أن المذي نجس ، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الإمامية محتجين بأن النضح لا يزيله ولو كان نجسا لوجبت الإزالة ويلزمهم القول بطهارة العذرة ، ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمسح النعل منها بالأرض والصلاة فيها ، والمسح لا يزيلها وهو باطل بالاتفاق ، وقد اختلف أهل العلم في المذي إذا أصاب الثوب فقال الشافعي وإسحاق وغيرهما : لا يجزيه إلا الغسل أخذا برواية الغسل ، وفيه ما سلف على أن رواية الغسل إنما هي في الفرج لا في الثوب الذي هو محل النزاع فإنه لم يعارض رواية النضح المذكورة في الباب معارض ، فالاكتفاء به صحيح مجز .

واستدل أيضا بما في الباب على وجوب غسل الذكر والأنثيين على الممذي وإن كان محل المذي بعضا منهما ، وإليه ذهب الأوزاعي وبعض الحنابلة وبعض المالكية وذهبت العترة والفريقان وهو قول الجمهور إلى أن الواجب غسل المحل الذي أصابه المذي من البدن ولا يجب تعميم الذكر والأنثيين ، [ ص: 74 ] ويؤيد ذلك ما عند الإسماعيلي في رواية بلفظ : " توضأ واغسله " فأعاد الضمير على المذي .

ومن العجيب أن ابن حزم مع ظاهريته ذهب إلى ما ذهب إليه الجمهور وقال : إيجاب غسل كله شرع لا دليل عليه ، وهذا بعد أن روى حديث " فليغسل ذكره " وحديث " واغسل ذكرك " ولم يقدح في صحتهما ، وغاب عنه أن الذكر حقيقة لجميعه ومجازا لبعضه ، وكذلك الأنثيين حقيقة لجميعهما فكان اللائق بظاهريته الذهاب إلى ما ذهب إليه الأولون . واختلف الفقهاء هل المعنى معقول أو هو حكم تعبدي ؟ وعلى الثاني تجب النية ، وقيل : الأمر بغسل ذلك ليتقلص الذكر قاله الطحاوي .

التالي السابق


الخدمات العلمية