صفحة جزء
باب نظر المصلي إلى سجوده والنهي عن رفع البصر في الصلاة

677 - ( عن ابن سيرين { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقلب بصره في السماء فنزلت هذه الآية : { الذين هم في صلاتهم خاشعون } فطأطأ رأسه . } رواه أحمد في كتاب الناسخ والمنسوخ وسعيد بن منصور في سننه بنحوه وزاد فيه : { وكانوا يستحبون للرجل أن لا يجاوز بصره مصلاه . } وهو حديث مرسل ) .

678 - ( وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لتخطفن أبصارهم } . رواه أحمد ومسلم والنسائي ) .

679 - ( وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهن أو لتخطفن أبصارهم } . رواه الجماعة إلا مسلما والترمذي ) .

680 - ( وعن عبد الله بن الزبير قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في التشهد وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة ولم يجاوز بصره إشارته } . رواه أحمد والنسائي وأبو داود ) .


حديث ابن سيرين مرسل كما قال المصنف لأنه تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، ورجاله ثقات . وأخرجه البيهقي موصولا وقال : المرسل هو المحفوظ . وأخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة بلفظ { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزلت : { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } فطأطأ رأسه : } قال : وإنه على شرط [ ص: 221 ] الشيخين . وحديث ابن الزبير أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه ، وأصله في مسلم دون قوله ولم يجاوز بصره إشارته . قوله : ( كان يقلب بصره . . . إلخ ) لعل ذلك كان عند إرادته صلى الله عليه وسلم تحويل القبلة كما وصفه الله تعالى في كتابه بقوله : { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها } . قوله : ( أن لا يجاوز بصره مصلاه ) فيه دليل على استحباب النظر إلى المصلى وترك مجاوزة البصر له . قوله : ( لينتهين أقوام ) بتشديد النون وفيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يواجه أحدا بمكروه بل إن رأى أو سمع ما يكره عمم " كما قال : { ما بال أقوام يشترطون شروطا لينتهين أقوام عن كذا }

قوله : ( يرفعون أبصارهم ) قال ابن المنير : نظر المأموم إلى الإمام من مقاصد الائتمام فإذا تمكن من مراقبته بغير التفات أو رفع بصر إلى السماء كان ذلك من إصلاح صلاته . وقال ابن بطال : فيه حجة لمالك في أن نظر المصلي يكون إلى جهة القبلة . وقال الشافعي والكوفيون : يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده لأنه أقرب إلى الخشوع . ويدل عليه ما رواه ابن ماجه بإسناد حسن عن أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت { كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام المصلي يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع قدميه فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد موضع جبينه ، فتوفي أبو بكر فكان عمر فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة ، فكان عثمان وكانت الفتنة فتلفت الناس يمينا وشمالا } . لكن في إسناده موسى بن عبد الله بن أبي أمية لم يخرج له من أهل الكتب الستة غير ابن ماجه

قوله : ( أو لتخطفن ) بضم الفوقية وفتح الفاء على البناء للمفعول يعني لا يخلو الحال من أحد الأمرين إما الانتهاء وإما العمى ، وهو وعيد عظيم وتهديد شديد ، وإطلاقه يقضي بأنه لا فرق بين أن يكون عند الدعاء أو عند غيره ، إذا كان ذلك في الصلاة كما وقع به التقييد . والعلة في ذلك أنه إذا رفع بصره إلى السماء خرج عن سمت القبلة وأعرض عنها وعن هيئة الصلاة . والظاهر أن رفع البصر إلى السماء حال الصلاة حرام لأن العقوبة بالعمى لا تكون إلا عن محرم ، والمشهور عند الشافعية أنه مكروه ، وبالغ ابن حزم فقال : تبطل الصلاة به . وقيل : المعنى في ذلك أنه يخشى على الأبصار من الأنوار التي تنزل بها الملائكة على المصلي كما في حديث أسيد بن حضير في فضائل القرآن ، وأشار إلى ذلك الداودي ونحوه في جامع حماد بن سلمة عن أبي مجلز أحد التابعين . قوله : ( فاشتد قوله في ذلك ) إما بتكرير هذا القول أو غيره مما يفيد المبالغة في الزجر

قوله : ( لينتهن ) في رواية أبي داود " لينتهين " وهو جواب قسم محذوف . وفيه روايتان للبخاري فالأكثرون بفتح أوله وضم الهاء وحذف الياء المثناة وتشديد النون على البناء للفاعل ، والثانية بضم الياء وسكون النون وفتح الفوقية والهاء والياء التحتية وتشديد النون للتأكيد على البناء للمفعول [ ص: 222 ] قوله : ( وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى . . . إلخ ) سيأتي الكلام على هذه الهيئة . قوله : ( ولم يجاوز بصره إشارته ) فيه أنه يستحب للمصلي حال التشهد أن لا يرفع بصره إلى ما يجاوز الأصبع التي يشير بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية