صفحة جزء
باب التعوذ بالقراءة قال الله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } .

684 - ( وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه كان إذا قام إلى الصلاة استفتح ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه } ) .


( رواه أحمد والترمذي ، وقال ابن المنذر جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه كان يقول قبل القراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم } ، وقال الأسود : رأيت عمر حين يفتتح الصلاة يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ، ثم يتعوذ . رواه الدارقطني ) . حديث أبي سعيد أخرجه أيضا أبو داود والنسائي ولفظ الترمذي : { كان إذا قام إلى الصلاة كبر ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول : الله أكبر الله أكبر ، ثم يقول : أعوذ بالله } إلى آخر ما ذكره المصنف . ولفظ أبي داود كلفظ الترمذي إلا أنه قال : { ثم يقول : لا إله إلا الله ثلاثا ثم يقول : الله أكبر [ ص: 229 ] كبيرا ثلاثا أعوذ بالله } إلى آخره . قال أبو داود : وهذا الحديث يقولون : هو عن علي بن علي يعني الرفاعي عن الحسن ، الوهم من جعفر وقال الترمذي : حديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب . وقد أخذ قوم من أهل العلم بهذا الحديث . وأما أكثر أهل العلم فقالوا . : إنما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : { سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك } هكذا روي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من التابعين وغيرهم . وقد تكلم في إسناد حديث أبي سعيد كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي . وقال أحمد : لا يصح هذا الحديث انتهى كلام الترمذي . وعلي بن علي هو ابن نجاد بن رفاعة البصري وروى عنه وكيع ، ووثقه أبو نعيم وزيد بن الحباب وشيبان بن فروخ . وقال الفضل بن دكين وعفان : كان علي بن علي الرفاعي يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم . وقال أحمد بن حنبل : هو صالح وقال محمد بن عبد الله بن عمار : زعموا أنه كان يصلي كل يوم ستمائة ركعة وكان يشبه عيناه بعيني النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجلا عابدا ما أرى أن يكون له عشرون حديثا ، قيل له : أكان ثقة ؟ قال : نعم . وقال ابن معين : ثقة . وقال أبو حاتم : ليس به بأس لا يحتج بحديثه . وقال يعقوب بن إسحاق : قدم علينا شعبة فقال اذهبوا بنا إلى سيدنا وابن سيدنا علي بن علي الرفاعي . قوله : ( من همزه ونفخه ونفثه ) قد ذكر ابن ماجه تفسير هذه الثلاثة عن عمرو بن مرة الجملي بفتح الجيم والميم فقال : نفثه الشعر ونفخه الكبر وهمزه الموتة بسكون الواو بدون همز والمراد بها هنا الجنون وكذا فسره بهذا أبو داود في سننه . وإنما كان الشعر من نفثة الشيطان لأنه يدعو الشعراء المداحين الهجائين المعظمين المحقرين إلى ذلك ، وقيل المراد شياطين الإنس وهم الشعراء الذين يختلقون كلاما لا حقيقة له والنفث في اللغة : قذف الريق وهو أقل من التفل

والنفخ في اللغة أيضا : نفخ الريح في الشيء وإنما فسر بالكبر لأن المتكبر يتعاظم لا سيما إذا مدح ، والهمز في اللغة أيضا : العصر يقال همزت الشيء في كفي : أي عصرته . وهمز الإنسان : اغتابه . والحديث يدل على مشروعية الافتتاح بما ذكر في الحديث ، وفيه وفي سائر الأحاديث رد لما ذهب إليه مالك من عدم استحباب الافتتاح بشيء ، وفي تقييده ببعد التكبير كما تقدم رد لما ذهب إليه من قال : إن الافتتاح قبل التكبير ، وفيه أيضا مشروعية التعوذ من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه وإلى ذلك ذهب أحمد وأبو حنيفة والثوري وابن راهويه وغيرهم ، وقد ذهب الهادي والقاسم من أهل البيت إلى أن محله قبل التوجه ومذهبهما أن التوجه قبل التكبيرة كما تقدم ، وقد عرفت التصريج بأنه بعد التكبير وهذا الحديث وإن كان فيه المقال المتقدم فقد ورد من طرق متعددة يقوي بعضها بعضا . منها ما أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ : { اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه [ ص: 230 ] ونفثه } . وأخرجه أيضا البيهقي

ومنها ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث جبير بن مطعم : أنه { رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقال : الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الحمد لله كثيرا الحمد لله كثيرا الحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه } ومنها ما أخرجه أحمد عن أبي أمامة بنحو حديث جبير . ومنها عن سمرة عند الترمذي .

ومنها عن عمر موقوفا عند الدارقطني كما ذكره المصنف وهو أيضا عند الترمذي هذا مع ما يؤيد ثبوت هذه السنة من عموم القرآن والحديث مصرح بأن التعوذ المذكور يكون بعد الافتتاح بالدعاء المذكور في الحديث . فائدة : قال الحافظ في التلخيص كلام الرافعي يقتضي أنه لم يرد الجمع بين وجهت وجهي وبين سبحانك اللهم ، وليس كذلك فقد جاء في حديث ابن عمر رواه الطبراني في الكبير وفيه عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف ، وفيه عن جابر أخرجه البيهقي بسند جيد ولكنه من رواية ابن المنكدر عنه وقد اختلف عليه فيه .

وفيه عن علي رواه إسحاق بن راهويه في مسنده وأعله أبو حاتم انتهى

فائدة أخرى : الأحاديث الواردة في التعوذ ليس فيها إلا أنه فعل ذلك في الركعة الأولى ، وفد ذهب الحسن وعطاء وإبراهيم إلى استحبابه في كل ركعة واستدلوا بعموم قوله تعالى: { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله } ولا شك أن الآية تدل على مشروعية الاستعاذة قبل قراءة القرآن وهي أعم من أن يكون القارئ خارج الصلاة أو داخلها . وأحاديث النهي عن الكلام في الصلاة تدل على المنع منه حال الصلاة من غير فرق بين الاستعاذة وغيرها مما لم يرد به دليل يخصه ولا وقع الإذن بجنسه فالأحوط الاقتصار على ما وردت به السنة ، وهو الاستعاذة قبل قراءة الركعة الأولى فقط وسيأتي ما يدل على ذلك في باب افتتاح الثانية بالقراءة .

التالي السابق


الخدمات العلمية