صفحة جزء
باب ما جاء في قراءة المأموم وإنصاته إذا سمع إمامه

696 - ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا } . رواه الخمسة إلا الترمذي ، وقال مسلم : هو صحيح ) .


زيادة

قوله : { وإذا قرأ فأنصتوا } قال أبو داود : ليست بمحفوظة ، والوهم عندنا من أبي خالد قال المنذري : وفيما قاله نظر فإن أبا خالد هذا هو سليمان بن حبان الأحمر وهو من الثقات الذين احتج البخاري ومسلم بحديثهم في صحيحيهما ومع هذا فلم يتفرد بهذه الزيادة ، بل قد تابعه عليها أبو سعيد محمد بن سعد الأنصاري الأشهلي المدني نزيل بغداد . وقد سمع من ابن عجلان وهو ثقة ، وثقه يحيى بن معين ومحمد بن عبد الله المخرمي وأبو عبد الرحمن النسائي . وقد أخرج هذه الزيادة النسائي في سننه من حديث أبي خالد الأحمر ، ومن حديث محمد بن سعد

وقد أخرج مسلم في الصحيح هذه الزيادة في حديث أبي موسى الأشعري من حديث جرير بن عبد الحميد عن سليمان التيمي عن [ ص: 250 ] قتادة ، وقال الدارقطني : هذه اللفظة لم يتابع سليمان التيمي فيها عن قتادة ، وخالفه الحفاظ فلم يذكروها قال : وإجماعهم على مخالفته يدل على وهمه ، قال المنذري : ولم يؤثر عند مسلم تفرد سليمان بذلك لثقته وحفظه وصحح هذه الزيادة يعني مسلما . قال أبو إسحاق صاحب مسلم : قال أبو بكر ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث لمسلم أي طعن فيه فقال مسلم : يزيد أحفظ من سليمان ، فقال أبو بكر : فحديث أبي هريرة هو صحيح يعني { فإذا قرأ فأنصتوا } فقال : هو عندي صحيح فقال : لم لم تضعه ههنا ؟ فقال : ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه ، فقد صحح مسلم هذه الزيادة من حديث أبي موسى الأشعري ومن حديث أبي هريرة

قوله { : إنما جعل الإمام ليؤتم به } معناه أن الائتمام يقتضي متابعة المأموم لإمامه ، فلا يجوز له المقارنة والمسابقة والمخالفة إلا ما دل الدليل الشرعي عليه كصلاة القائم خلف القاعد ونحوها . وقد ورد النهي عن الاختلاف بخصوصه بقوله : " لا تختلفوا " . قوله : ( فكبروا ) جزم ابن بطال وابن دقيق العيد بأن الفاء للتعقيب ومقتضاه الأمر بأن أفعال المأموم تقع عقب فعل الإمام فلو سبقه بتكبيرة الإحرام له لم تنعقد صلاته وتعقب القول بالتعقيب بأن فاءه هي العاطفة وأما التي هنا فهي للربط فقط لأنها وقعت جوابا للشرط فعلى هذا لا يقتضي تأخير أفعال المأموم عن الإمام إلا على القول بتقديم الشرط على الجزاء . وقد قال قوم : إن الجزاء يكون مع الشرط فينبغي على هذا المقارنة

قوله { : فإذا قرأ فأنصتوا } احتج بذلك القائلون أن المؤتم لا يقرأ خلف الإمام في الصلاة الجهرية وهم زيد بن علي والهادي والقاسم وأحمد بن عيسى وعبيد الله بن الحسن العنبري وإسحاق بن راهويه وأحمد ومالك والحنفية . لكن الحنفية قالوا : لا يقرأ خلف الإمام لا في سرية ولا في جهرية واستدلوا على ذلك بحديث عبد الله بن شداد الآتي وهو ضعيف لا يصلح للاحتجاج به كما ستعرف ذلك . واستدل القائلون أن المؤتم لا يقرأ خلف الإمام في الجهرية بقوله تعالى : { فاستمعوا له وأنصتوا } وبحديث أبي هريرة الآتي وذهب الشافعي وأصحابه إلى وجوب قراءة الفاتحة على المؤتم من غير فرق بين الجهرية والسرية سواء سمع المؤتم قراءة الإمام أم لا ، وإليه ذهب الناصر من أهل البيت . واستدلوا على ذلك بحديث عبادة بن الصامت الآتي

وأجابوا عن أدلة أهل القول الأول بأنها عمومات وحديث عبادة خاص وبناء العام على الخاص واجب كما تقرر في الأصول وهذا لا محيص عنه . ويؤيده الأحاديث المتقدمة القاضية بوجوب فاتحة الكتاب في كل ركعة من غير فرق بين الإمام والمأموم لأن البراءة عن عهدتها إنما تحصل بناقل صحيح لا بمثل هذه العمومات التي اقترنت بما يجب تقديمه عليها . وقد أجاب المهدي في البحر عن حديث عبادة بأنه معارض بحديث { ما لي أنازع القرآن } وهي من معارضة [ ص: 251 ] العام بالخاص ، وهو لا يعارضه ، أما على قول من قال من أهل الأصول أنه يبنى العام على الخاص مطلقا وهو الحق فظاهر وأما على قول من قال : إن العام المتأخر عن الخاص ناسخ له وإنما يخصص المقارن والمتأخر بمدة لا تتسع للعمل فكذلك أيضا ، لأن عبادة روى العام والخاص في حديثه الآتي فهو من التخصيص بالمقارن فلا تعارض في المقام على جميع الأقوال

ومن جملة ما استدل به القائلون بوجوب السكوت خلف الإمام في الجهرية ما تقدم من قول جابر " من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام " وهو مع كونه غير مرفوع مفهوم لا يعارض بمثله منطوق حديث عبادة . وقد اختلفت الشافعية في قراءة الفاتحة هل تكون عند سكتات الإمام أو عند قراءته وظاهر الأحاديث الآتية أنها تقرأ عند قراءة الإمام وفعلها حال سكوت الإمام إن أمكن أحوط لأنه يجوز عند أهل القول الأول فيكون فاعل ذلك آخذا بالإجماع ، وأما اعتياد قراءتها حال قراءة الإمام للفاتحة فقط أو حال قراءته للسورة فقط فليس عليه دليل بل الكل جائز وسنة ، نعم حال قراءة الإمام للفاتحة مناسب من جهة عدم الاحتياج إلى تأخير الاستعاذة عن محلها الذي هو بعد التوجه ، أو تكريرها عند إرادة قراءة الفاتحة إن فعلها في محلها أولا وأخر الفاتحة إلى حال قراءة الإمام للسورة . ومن جهة الاكتفاء بالتأمين مرة واحدة عند فراغه وفراغ الإمام من قراءته الفاتحة إن وقع الاتفاق في التمام بخلاف من أخر قراءة الفاتحة إلى حال قراءة الإمام للسورة

وقد بالغ بعض الشافعية فصرح بأنه إذا اتفقت قراءة الإمام والمأموم في آية خاصة من آي الفاتحة بطلت صلاته ، وروى ذلك صاحب البيان من الشافعية عن بعض أهل الوجوه منهم وهو من الفساد بمكان يغني عن رده .

التالي السابق


الخدمات العلمية