صفحة جزء
باب قراءة السورة بعد الفاتحة في الأوليين وهل تسن قراءتها في الأخريين أم لا ؟

707 - ( عن أبي قتادة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين ، وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب ، ويسمعنا الآية أحيانا ، ويطول في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية ، وهكذا في العصر ، وهكذا في الصبح } . متفق عليه . ورواه أبو داود وزاد قال { فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى } ) .


قوله : ( الأوليين ) بتحتانيتين تثنية الأولى وكذا الأخريين . قوله : ( وسورتين ) أي في كل ركعة سورة . ويدل على ذلك ما ثبت من حديث أبي قتادة في رواية للبخاري بلفظ : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة [ ص: 262 ] سورة } وفيه دليل على إثبات القراءة في الصلاة السرية . وقد أخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس أنه سئل أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر فقال : لا . لا . فقيل له : فلعله كان يقرأ في نفسه فقال خمسا : هذه أشد من الأولى فكان عبدا مأمورا بلغ ما أرسل به ، الحديث وهو كما قال الخطابي : وهم من ابن عباس وقد أثبت القراءة في السرية أبو قتادة وخباب بن الأرت وغيرهما والإثبات مقدم على النفي

وقد تردد ابن عباس في ذلك فروى عنه أبو داود أنه قال : لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا .

وفي هذه الرواية دليل على أنه اعتمد في الأول على عدم الدراية لا على قرائن دلت على ذلك . قوله : ( ويسمعنا الآية أحيانا ) فيه دلالة على جواز الجهر في السرية وهو يرد على من جعل الإسرار شرطا لصحة الصلاة السرية وعلى من أوجب في الجهر سجود السهو . وقوله : أحيانا يدل على أنه تكرر ذلك منه . قوله : " ويطول في الركعة الأولى " استدل به على استحباب تطويل الأولى على الثانية سواء كان التطويل بالقراءة أو بترتيلها مع استواء المقروء في الأوليين . وقد قيل : إن المستحب التسوية بين الأوليين ، فاستدلوا بحديث سعد عند البخاري ومسلم وغيرهما وسيأتي وكذلك استدلوا بحديث أبي سعيد الآتي عند مسلم وأحمد { أنه كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر في الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية } ، وفي رواية لابن ماجه إن الذين حزروا كانوا ثلاثين من الصحابة ، وجعل صاحب هذا القول تطويل الأولى المذكور في الأحاديث بسبب دعاء الاستفتاح والتعوذ

وقد جمع البيهقي بين الأحاديث بأن الإمام يطول في الأولى إن كان منتظرا لأحد وإلا سوى بين الأوليين ، وجمع ابن حبان بأن تطويل الأولى إنما كان لأجل الترتيل في قراءتها مع استواء المقروء في الأوليين . قوله : ( وهكذا في الصبح . . . إلخ ) فيه دليل على عدم اختصاص القراءة بالفاتحة وسورة في الأوليين وبالفاتحة فقط في الأخريين والتطويل في الأولى بصلاة الظهر ، بل ذلك هو السنة في جميع الصلوات . قوله : ( فظننا أنه يريد . . . إلخ ) فيه أن الحكمة في التطويل المذكور هي انتظار الداخل . وكذا روى هذه الزيادة ابن خزيمة وابن حبان . وقال القرطبي : لا حجة فيه لأن الحكمة لا تعلل بها لخفائها وعدم انضباطها . والحديث يدل على مشروعية القراءة بفاتحة الكتاب في كل ركعة . وقد تقدم الكلام عليه وعلى قراءة سورة مع الفاتحة في كل واحد من الأوليين ، وعلى جواز الجهر ببعض الآيات في السرية

708 - ( وعن جابر بن سمرة قال : قال عمر لسعد : لقد شكوك في كل شيء حتى [ ص: 263 ] الصلاة ، قال : أما أنا فأمد في الأوليين ، وأحذف من الأخريين ولا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صدقت ذلك الظن بك أو ظني بك . متفق عليه ) . قوله : ( شكوك ) يعني أهل الكوفة ، وفي رواية للبخاري شكا أهل الكوفة سعدا . قوله : ( في كل شيء ) قال الزبير بن بكار في كتاب النسب : رفع أهل الكوفة عليه أشياء كشفها عمر فوجدها باطلة ولكن عزله واستعمل عليهم عمار بن ياسر . قال خليفة : استعمل عمارا على الصلاة وابن مسعود على بيت المال وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض

قوله : ( فأمد ) في رواية في الصحيحين " فأركد في الأوليين " وهما متقاربان . قال القزاز : أي أقيم طويلا أطول فيهما القراءة ، ويحتمل التطويل لما هو أعلم كالأذكار والقراءة والركوع والسجود ، والمعهود في التفرقة بين الركعات إنما هو في القراءة . قوله : ( وأحذف ) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة . قال الحافظ : وكذا هو في جميع طرق هذا الحديث التي وقفت عليها ، لكن في رواية البخاري " وأخف " بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة والمراد بالحذف حذف التطويل وتقصيرهما عن الأوليين لا حذف أصل القراءة والإخلال بها فكأنه قال احذف المد وفيه دليل على أن الأوليين من الرباعية متساويتان في الطول وكذا الأوليان من الثلاثية ، وقد تقدم الكلام على ذلك .

وفيه دليل أيضا على تساوي الأخريين . قوله : ( ولا آلو ) بمد الهمزة من آلو وضم اللام بعدها أي لا أقصر في ذلك

قوله : ( ذلك الظن بك ) فيه جواز مدح الرجل الجليل في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه والنهي عن ذلك إنما هو لمن خيف عليه وقد جاءت أحاديث كثيرة ثابتة في الصحيح بالأمرين والمد في الأوليين يدل على قراءة زيادة على فاتحة الكتاب ولذا أورد المصنف الحديث دليلا لقراءة السورة بعد الفاتحة .

709 - ( وعن أبي سعيد الخدري { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية . وفي الأخريين قدر قراءة خمس عشرة آية ، أو قال نصف ذلك وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية ، وفي الأخريين قدر نصف ذلك } . رواه أحمد ومسلم ) . الحديث يدل على استحباب التطويل في الأوليين من الظهر والأخريين منه ، لأن الوقوف في كل واحدة من الأخريين منه بمقدار خمس عشرة آية يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بزيادة على الفاتحة لأنها ليست إلا سبع آيات

وقوله : ( في الأخريين قدر خمس عشرة آية ) أي في كل [ ص: 264 ] ركعة كما يشعر بذلك السياق . ويدل على استحباب التخفيف في صلاة العصر وجعلها على النصف من صلاة الظهر . وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد من طريق أخرى هذا الحديث بدون قوله في كل ركعة ولفظه { فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر } ، فينبغي حمل المطلق في هذه الرواية على المقيد بقوله في كل ركعة . والحكمة في إطالة الظهر أنها في وقت غفلة بالنوم في القائلة فطولت ليدركها المتأخر والعصر ليست كذلك بل تفعل في وقت تعب أهل الأعمال فخففت ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطول في صلاة الظهر تطويلا زائدا على هذا المقدار كما في حديث { إن صلاة الظهر كانت تقام ويذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطيلها } .

التالي السابق


الخدمات العلمية