صفحة جزء
باب الأمر بالتشهد الأول وسقوطه بالسهو .

766 - ( عن ابن مسعود قال : إن محمدا صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا : التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده [ ص: 314 ] ورسوله ، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع به ربه عز وجل } . رواه أحمد والنسائي ) .


الحديث رواه أحمد من طرق بألفاظ فيها بعض اختلاف وفي بعضها طول وجميعها رجالها ثقات ، وإنما عزاه المصنف رحمه اللهإلى أحمد والنسائي باعتبار الزيادة التي في أوله وهي { إذا قعدتم في كل ركعتين } فإنها لم تكن عند غيرهما بهذا اللفظ وهو عند الترمذي بلفظ : قال : { علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعدنا في الركعتين } وفي رواية أخرى للنسائي بلفظ : { فقولوا في كل جلسة } وأما سائر ألفاظ الحديث إلى قوله : " ثم ليتخير " فقد اتفق على إخراجه الجماعة كلهم وسيذكره المصنف . وأما زيادة قوله : ( ليتخير ) إلى آخر الحديث فأخرجها البخاري بلفظ { ثم لتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به } وفي لفظ : { ثم يتخير من الثناء ما شاء } وأخرجها أيضا مسلم بلفظ { ثم ليتخير من المسألة ما شاء } وفي رواية للنسائي عن أبي هريرة { ثم يدعو لنفسه بما بدا له } . قال الحافظ : إسنادها صحيح وفي رواية أبي داود { ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه } وقوله : " فقولوا : التحيات " فيه دليل لمن قال بوجوب التشهد الأوسط وهو أحمد في المشهور عنه والليث وإسحاق ، وهو قول للشافعي ، وإليه ذهب داود وأبو ثور ورواه النووي عن جمهور المحدثين . ومما يدل على ذلك إطلاق الأحاديث الواردة بالتشهد وعدم تقييدها بالأخير . واحتج الطبري لوجوبه بأن الصلاة وجبت أولا ركعتين وكان التشهد فيها واجبا ، فلما زيدت لم تكن الزيادة مزيلة لذلك الواجب وتعقب بأن الزيادة لم تتعين في الأخريين ، بل يحتمل أن يكون هما الفرض الأول ، والمزيد هما الركعتان الأوليان بتشهدهما . ويؤيده استمرار السلام بعد التشهد الأخير كما كان ، كذا قال الحافظ ولا يخفى ما في هذا التعقب من التعسف

وغاية ما استدل به القائلون بعدم الوجوب أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك التشهد الأوسط ولم يرجع إليه ، ولا أنكر على أصحابه متابعته في الترك وجبره بسجود السهو ، فلو كان واجبا لرجع إليه وأنكر على أصحابه متابعته ، ولم يكتف في تجبيره بسجود السهو ويجاب عن ذلك بأن : الرجوع على تسليم وجوبه للواجب المتروك إنما يلزم إذا ذكره المصلي وهو في الصلاة ، ولم ينقل إلينا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره قبل الفراغ ، اللهم إلا أن يقال إنه قد روي أن الصحابة سبحوا به فمضى حتى فرغ كما يأتي ، وذلك يستلزم أنه علم به وترك إنكاره على المؤتمين به متابعته إنما يكون حجة بعد تسليم أنه يجب على المؤتمين ترك متابعة الإمام إذا ترك واجبا من واجبات الصلاة وهو ممنوع والسند الأحاديث الدالة على وجوب المتابعة وتجبيره بالسجود إنما يكون دليلا على عدم الوجوب إذا سلمنا أن سجود السهو إنما يجبر به المسنون دون الواجب وهو غير مسلم

والحاصل [ ص: 315 ] أن حكمه حكم التشهد الأخير ، وسيأتي ، والتفرقة بينهما ليس عليها دليل يرتفع به النزاع على أنه يدل على مزيد خصوصية للتشهد الأوسط ذكره في حديث المسيء كما تقدم في شرحه وسيأتي . قوله : ( التحيات لله ) إلى آخر ألفاظ التشهد سيأتي شرحها في باب ذكر تشهد ابن مسعود . قوله : ( ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه ) فيه الإذن بكل دعاء أراد المصلي أن يدعو به في الموضع ، وعدم لزوم الاقتصار على ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم

767 - ( عن رفاعة بن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قمت في صلاتك فكبر ثم اقرأ ما تيسر عليك من القرآن ، فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش فخذك اليسرى ، ثم تشهد } . رواه أبو داود ) . هذا طرف من حديث رفاعة في تعليم المسيء ، وقد أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه ، ولكنه انفرد أبو داود بهذه الزيادة ، أعني قوله : " فإذا جلست في وسط الصلاة " . . . إلخ وفي إسنادها محمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث .

قوله : ( في وسط الصلاة ) بفتح السين قال في النهاية : يقال فيما كان متفرق الأجزاء غير متصل كالناس والدواب بسكون السين وما كان متصل الأجزاء كالدار والرأس فهو بالفتح ، والمراد هنا : القعود للتشهد الأول في الرباعية ، ويلحق به الأول في الثلاثية . قوله : ( فاطمئن ) يؤخذ منه أن المصلي لا يشرع في التشهد حتى يطمئن يعني يستقر كل مفصل في مكانه ويسكن من الحركة

قوله : ( وافترش فخذك اليسرى ) أي : ألقها على الأرض وابسطها كالفراش للجلوس عليها والافتراش في وسط الصلاة موافق لمذهب الشافعي وأحمد لكن أحمد يقول : يفترش في التشهد الثاني كالأول والشافعي يتورك في الثاني ومالك يتورك فيهما كذا ذكره ابن رسلان في شرح السنن . وفيه دليل لمن قال : إن السنة الافتراش في الجلوس للتشهد الأوسط وهم الجمهور ، قال ابن القيم : ولم يرو عنه في هذه الجلسة غير هذه الصفة : يعني الفرش والنصب وقال مالك : يتورك فيه لحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في وسط الصلاة وفي آخرها متوركا ، قال ابن القيم لم يذكر عنه صلى الله عليه وسلم التورك إلا في التشهد الأخير . والحديث فيه دليل من قال بوجوب التشهد الأوسط ، وقد تقدم الاختلاف فيه

768 - ( وعن عبد الله ابن بحينة : أن النبي صلى الله عليه وسلم { قام في صلاة الظهر وعليه جلوس فلما أتم صلاته سجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجدها [ ص: 316 ] الناس معه مكان ما نسي من الجلوس } . رواه الجماعة ) .

قوله : ( عن عبد الله ابن بحينة ) بحينة : اسم أم عبد الله أو اسم أم أبيه قال الحافظ : فعلى هذا ينبغي أن يكتب ابن بحينة بالألف . قوله : ( قام في صلاة الظهر ) زاد الضحاك بن عثمان عن الأعرج " فسبحوا به فمضى حتى فرغ من صلاته " أخرجه ابن خزيمة . وعند النسائي والحاكم نحو هذه الزيادة . قوله : ( وعليه جلوس ) فيه إشعار بالوجوب حيث قال " وعليه جلوس " . قوله : ( يكبر في كل سجود ) فيه مشروعية تكبير النقل في سجود السهو . قوله : ( وهو جالس ) جملة حالية متعلقة بقوله سجد : أي أنشأ السجود جالسا . والحديث استدل به من قال بأن التشهد الأوسط غير واجب وتقدم وجه دلالته على ذلك والجواب عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية