صفحة جزء
باب كراهة تشبيك الأصابع وفرقعتها والتخصر والاعتماد على اليد إلا لحاجة

846 - ( وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان ، وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه } . رواه أحمد ) .


الحديث أخرجه أحمد في مسنده عن مولى لأبي سعيد الخدري قال : { بينا أنا مع أبي سعيد الخدري وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخلنا المسجد فإذا رجل جالس في وسط المسجد محتبيا مشبكا أصابعه بعضها في بعض فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفطن الرجل لإشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالتفت إلى أبي سعيد فقال : إذا كان أحدكم } الحديث قال في مجمع الزوائد : إسناده حسن

وقد اختلف في الحكمة في النهي عن التشبيك في المسجد كما في حديث أبي سعيد وفي غيره كما في حديث كعب بن عجرة فقيل : لما فيه من العبث . وقيل : لما فيه من التشبه بالشيطان [ ص: 387 ] وقيل : لدلالة الشيطان على ذلك وجعل بعضهم ذلك دالا على تشبيك الأحوال والأمور على المرء . وظاهر النهي عن التشبيك التحريم لولا حديث ذي اليدين الذي سيشير إليه المصنف قريبا

وظاهره نهي من كان في المسجد عن التشبيك سواء كان في الصلاة أم لا ، كما جزم به النووي في التحقيق وكره النخعي التشبيك في الصلاة ، وقال النعمان بن أبي عياش : كانوا ينهون عنه . وروى العراقي في شرح الترمذي عن ابن عمر وابنه سالم أنهما شبكا بين أصابعهما في الصلاة

وروي عن الحسن البصري أنه شبك عليه الصلاة والسلام أصابعه في المسجد . قال العراقي : وفي معنى التشبيك بين الأصابع تفقيعها فيكره أيضا في الصلاة ولقاصد الصلاة . قال النووي : وكره ذلك في الصلاة ابن عباس وعطاء والنخعي ومجاهد وسعيد بن جبير . وروى أحمد والطبراني من حديث أنس بن معاذ مرفوعا : { أن الضاحك في الصلاة والملتفت والمفقع أصابعه بمنزلة واحدة } وفي إسناده ابن لهيعة

ويدل على كراهية التفقيع حديث علي الآتي .

847 - ( وعن كعب بن عجرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا توضأ أحدكم ، ثم خرج عامدا إلى الصلاة فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة } . رواه أحمد وأبو داود والترمذي ) الحديث أخرجه أيضا ابن ماجه .

وفي إسناده عند الترمذي رجل مجهول وهو الراوي له عن كعب بن عجرة ، وقد كنى أبو داود هذا الرجل المجهول فرواه من طريق سعد بن إسحاق قال : حدثني أبو ثمامة الخياط عن كعب . وقد ذكره ابن حبان في الثقات ، وأخرجه له في صحيحه هذا الحديث . الحديث فيه كراهة التشبيك من وقت الخروج إلى المسجد للصلاة .

وفيه أنه يكتب لقاصد الصلاة أجر المصلي من حين يخرج من بيته إلى أن يعود إليه

قال المصنف رحمه اللهبعد أن ساق الحديث : وقد ثبت في خبر ذي اليدين أنه شبك أصابعه في المسجد ، وذلك يفيد عدم التحريم ولا يمنع الكراهة لكونه فعله نادرا انتهى قد عارض حديث الباب مع ما فيه هذا الحديث الصحيح في تشبيكه صلى الله عليه وسلم بين أصابعه في المسجد ، وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين بلفظ : { ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان وشبك بين أصابعه } وفيهما من حديث أبي موسى : { المؤمن للمؤمن كالبنيان وشبك بين أصابعه } وعند البخاري من حديث ابن عمر قال : " شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه " وهذه الأحاديث أصح من حديث الباب

ويمكن الجمع بين هذه الأحاديث بأن تشبيكه صلى الله عليه وسلم [ ص: 388 ] في حديث السهو كان لاشتباه الحال عليه في السهو الذي وقع منه . ولذلك وقف كأنه غضبان . وتشبيكه في حديث أبي موسى وقع لقصد التشبيه لتعاضد المؤمنين بعضهم ببعض كما أن البنيان المشبك بعضه ببعض يشد بعضه بعضا

فأما حديث الباب فهو محمول على التشبيك للعبث وهو منهي عنه في الصلاة ومقدماتها ولواحقها من الجلوس في المسجد والمشي إليه . أو يجمع بما ذكره المصنف من أن فعله صلى الله عليه وسلم لذلك نادرا يرفع التحريم ولا يرفع الكراهة ، ولكن يبعد أن يفعل صلى الله عليه وسلم ما كان مكروها . والأولى أن يقال : إن النهي عن التشبيك ورد بألفاظ خاصة بالأمة ، وفعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض قوله الخاص بهم كما تقرر في الأصول .

848 - ( وعن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم { رأى رجلا قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه } ) .

849 - ( وعن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تفقع أصابعك في الصلاة } . رواهما ابن ماجه ) الحديث الأول في إسناده علقمة بن عمرو .

والحديث الثاني في إسناده الحارث الأعور . قوله : ( { ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه } ) فيه كراهية التشبيك في الصلاة من غير تقييد بالمسجد ، سواء كان المصلي في المسجد أو في البيت أو في السوق لأنه نوع من العبث فلا يختص بكراهة الصلاة في المسجد

ويؤيد ذلك تعليله صلى الله عليه وسلم للنهي عن التشبيك إذا خرج من بيته بأنه في صلاة ، وإذا نهى من يكتب له أجر المصلي لكونه قاصدا الصلاة فأولى من هو في حال الصلاة الحقيقية . قوله : ( لا تفقع ) هو بالفاء بعد حرف المضارعة ثم القاف المشددة المكسورة ثم العين المهملة وهو غمز الأصابع حتى يسمع لها صوت . قال في القاموس : والتفقيع : التشدق في الكلام والفرقعة . وفسر الفرقعة : بنقض الأصابع ، وقد تقدم في شرح حديث أبي سعيد ما أخرجه أحمد والطبراني من حديث أنس وهو مما يؤيد حديث علي هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية