صفحة جزء
باب في أن عمل القلب لا يبطل وإن طال

861 - ( عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان ، فإذا قضي الأذان أقبل ، فإذا ثوب بها أدبر ، فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول : اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يضل الرجل إن يدري كم صلى ، فإذا لم يدر أحدكم ثلاثا صلى ، أو أربعا فليسجد سجدتين وهو جالس } . متفق عليه ، وقال البخاري : قال عمر : " إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة )


. قوله ( وله ضراط ) جملة اسمية وقعت حالا .

وفي رواية بدون واو لحصول الارتباط بالضمير . قال عياض : يمكن حمله على ظاهره لأنه جسم يصح منه خروج الريح ويحتمل أنها عبارة عن شدة نفاره ، يقربه رواية مسلم بلفظ " له حصاص " بمهملات مضموم الأول ، وقد فسره الأصمعي وغيره بشدة العدو

وقال في الفتح : والمراد بالشيطان : إبليس وعليه يدل كلام كثير من الشراح ، ويحتمل أن المراد : جنس الشيطان وهو كل متمرد من الجن [ ص: 398 ] أو الإنس لكن المراد ههنا شيطان الجن خاصة . قوله : ( حتى لا يسمع التأذين ) ظاهره أن يتعمد إخراج ذلك إما ليشغله سماع الصوت الذي يخرجه عن سماع المؤذن أو يصنع ذلك استخفافا كما يفعله السفهاء ، ويحتمل أن لا يتعمد ذلك بل يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف حتى يحدث له ذلك . قوله : ( فإذا قضي ) بضم أوله والمراد به الفراغ والانتهاء ، ويروى بفتح أوله على حذف الفاعل ، والمراد : المنادي

قوله ( أقبل ) زاد مسلم عن أبي هريرة " فوسوس " . قوله : ( فإذا ثوب ) بضم المثلثة وتشديد الواو المكسورة قيل : هو من ثاب إذا رجع وقيل : هو من ثوب : إذا أشار بثوبه عند الفراغ لإعلام غيره . قال الجمهور : والمراد بالتثويب هنا : الإقامة ، وبذلك جزم أبو عوانة في صحيحه والخطابي والبيهقي وغيرهم

وقال القرطبي : ثوب بالصلاة إذا أقيمت وأصله رجع إلى ما يشبه الأذان ، وكل من يردد صوتا فهو مثوب وزعم بعض الكوفيين أن المراد بالتثويب قول المؤذن من الأذان والإقامة : حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة . قال الخطابي : لا تعرف العامة التثويب في الأذان إلا من قول المؤذن في الأذان : الصلاة خير من النوم . لكن المراد به في هذا الحديث : الإقامة . قوله : ( حتى يخطر ) بضم الطاء

قال الحافظ : كذا سمعناه من أكثر الرواة وضبطناه عن المتقنين بالكسر وهو وجه معناه : يوسوس ، وأصله من خطر البعير بذنبه إذا حركه فضرب به فخذيه وأما بالضم فمن المرور أن يدنو منه فيشغله . وضعف الهجري في نوادره الضم مطلقا . قوله : ( بين المرء ونفسه ) أي قلبه وكذا هو للبخاري من وجه آخر في بدء الخلق . قال الباجي : بمعنى أنه يحول بين المرء وبين ما يريده من إقباله على صلاته وإخلاصه فيها

قوله : ( لما لم يكن يذكر ) أي لشيء لم يكن على ذكره قبل دخوله في الصلاة ، وهو أعم من أن يكون من أمور الدنيا والآخرة . وهل يشمل ذلك التفكر في معاني الآيات التي يتلوها لا يبعد ذلك لأن غرضه نقص خشوعه وإخلاصه بأي وجه كان كذا قال الحافظ . قوله : ( حتى يضل الرجل ) بضاد مكسورة ، كذا وقع عند الأصيلي : ومعناه يجهل

قال الحافظ في الفتح : وعند الجمهور بالظاء المشالة بمعنى : يصير أو يبقى أو يتحير . قوله : ( إن يدري كم صلى ) بكسر الهمزة وهي التي للنفي بمعنى لا . وحكى ابن عبد البر عن الأكثر فتح الهمزة ووجهه بما تعقبه عليه جماعة . قال القرطبي : ليست رواية الفتح بشيء إلا مع الضاد فيكون أن مع الفعل بتأويل المصدر مفعولا لضل بإسقاط حرف الجر : أي يضل عن درايته .

وفي رواية للبخاري " لا يدري كم صلى "

والحديث يدل على أن الوسوسة في الصلاة غير مبطلة لها وكذا سائر الأعمال القلبية لعدم الفارق . وللحديث فوائد ليس المقام محلا لبسطها . قوله : ( إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة ) أي أدبر تجهيزه وأفكر فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية