صفحة جزء
باب لا وتران في ليلة وختم صلاة الليل بالوتر وما جاء في نقضه

934 - ( عن طلق بن علي قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { لا وتران في ليلة } رواه الخمسة إلا ابن ماجه ) .

935 - ( وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا } . رواه الجماعة إلا ابن ماجه ) .


أما حديث طلق بن علي فحسنه الترمذي ، قال عبد الحق : وغير الترمذي صححه ، وأخرجه أيضا ابن حبان وصححه ، وقد احتج به على أنه لا يجوز نقض الوتر .

ومن جملة المحتجين به على ذلك طلق بن علي الذي رواه كما قال العراقي ، قال : وإلى ذلك ذهب أكثر العلماء ، وقالوا : إن من أوتر وأراد الصلاة بعد ذلك لا ينقض وتره ، ويصلي شفعا شفعا حتى يصبح ، قال : فمن الصحابة أبو بكر الصديق وعمار بن ياسر ورافع بن خديج وعائذ بن عمرو وطلق بن علي وأبو هريرة وعائشة . ورواه ابن أبي شيبة في المصنف [ ص: 57 ] عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر وابن عباس

وممن قال به من التابعين سعيد بن المسيب وعلقمة والشعبي وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومكحول والحسن البصري ، روى ذلك ابن أبي شيبة عنهم في المصنف أيضا . وقال به من التابعين طاوس وأبو مجلز . ، ومن الأئمة سفيان الثوري ومالك وابن المبارك وأحمد ، روى ذلك الترمذي عنهم في سننه ، وقال : إنه أصح . ورواه العراقي عن الأوزاعي والشافعي وأبي ثور ، وحكاه القاضي عياض عن كافة أهل الفتيا

وروى الترمذي عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم جواز نقض الوتر ، وقالوا : يضيف إليها أخرى ، ويصلي ما بدا له ، ثم يوتر في آخر صلاته قال : وذهب إليه إسحاق

واستدلوا بحديث ابن عمر المذكور في الباب وقالوا : إذا أوتر ثم نام ثم قام فلم يشفع وتره ، وصلى مثنى مثنى كما قال الأولون ، ولم يوتر في آخر صلاته كان قد جعل آخر صلاته من الليل شفعا لا وترا ، وفيه مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم : { اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا } واستدل الأولون على جواز صلاة الشفع بعد الوتر بحديث عائشة المتقدم وبحديث أم سلمة الآتي ، وقد قدمنا الكلام على ذلك في شرح حديث عائشة

936 - ( وعن ابن عمر أنه كان إذا سئل عن الوتر قال : أما أنا فلو أوترت قبل أن أنام ، ثم أردت أن أصلي بالليل شفعت بواحدة ما مضى من وتري ، ثم صليت مثنى مثنى ، فإذا قضيت صلاتي أوترت بواحدة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرنا أن نجعل آخر صلاة الليل الوتر } رواه أحمد ) .

937 - ( وعن علي قال : الوتر ثلاثة أنواع فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر ، فإن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح ثم يوتر فعل ، وإن شاء ركعتين حتى يصبح ، وإن شاء آخر الليل أوتر . رواه الشافعي في مسنده )

حديث ابن عمر ، قال في مجمع الزوائد : فيه ابن إسحاق وهو مدلس وهو ثقة وبقية رجاله رجال الصحيح ا هـ . والمرفوع من حديث ابن عمر متفق عليه كما تقدم .

، وأثر علي أخرجه البيهقي أيضا ، وقد استدل به ابن عمر ومن معه على جواز نقض الوتر ، وقد قدمنا وجه دلالته على ذلك

وقد ناقضهم القائلون بعدم الجواز فاستدلوا به على أنه لا يجوز النقض ، قالوا : لأن الرجل إذا أوتر أول الليل فقد قضى وتره ، فإذا هو نام بعد ذلك ثم قام وتوضأ وصلى ركعة أخرى ، فهذه صلاة غير تلك الصلاة ، وغير جائز في النظر أن تتصل هذه الركعة بالركعة الأولى التي صلاها في أول الليل فلا يصيران صلاة واحدة [ ص: 58 ] وبينهما نوم وحدث ووضوء وكلام في الغالب

وإنما هما صلاتان متباينتان ، كل واحدة غير الأولى ، ومن فعل ذلك فقد أوتر مرتين ، ثم إذا هو أوتر أيضا في آخر صلاته صار موترا ثلاث مرات . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترا } وهذا قد جعل الوتر في مواضع من صلاة الليل . وأيضا قال صلى الله عليه وسلم : { لا وتران في ليلة } وهذا قد أوتر ثلاث مرات

938 - ( وعن أم سلمة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركع ركعتين بعد الوتر } . رواه الترمذي ، ورواه أحمد وابن ماجه وزاد : وهو جالس . وقد سبق هذا المعنى من حديث عائشة ، وهو حجة لمن لم ير نقض الوتر ) .

939 - ( وقد روى سعيد بن المسيب { أن أبا بكر وعمر تذاكرا الوتر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : أما أنا فأصلي ثم أنام على وتر ، فإذا استيقظت صليت شفعا شفعا حتى الصباح ، وقال عمر : لكن أنام على شفع ثم أوتر من آخر السحر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : حذر هذا ، وقال لعمر : قوي هذا } رواه أبو سليمان الخطابي بإسناده ) . أما حديث أم سلمة فصححه الدارقطني في سننه ، ثبت ذلك في رواية محمد بن عبد الملك بن بشران عنه ، وليس في رواية أبي طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم عن الدارقطني تصحيح له ، كذا قال العراقي قال الترمذي : وقد روي نحو هذا عن أبي أمامة وعائشة وغير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ا هـ . وأما حديث عائشة الذي أشار إليه المصنف فقد تقدم وتقدم شرحه . وأما حديث أبي بكر وعمر فقد ورد من طرق ليس فيها قول أبي بكر : فإذا استيقظت صليت شفعا شفعا منها عند البزار والطبراني عن أبي هريرة . ومنها عند ابن ماجه عن جابر . ومنها عند أبي داود والحاكم عن أبي قتادة ومنها عند ابن ماجه عن ابن عمر . ومنها عند الطبراني في الكبير ، ومحمد بن نصر عن عقبة بن عامر ، فإن صحت هذه الزيادة التي ذكرها الخطابي كانت صالحة للاستدلال بها على قول من أجاز التنفل بعد الوتر ، وقد تقدم ذكرهم ، وإن لم تصح فالكلام ما قدمنا في شرح حديث عائشة من اختصاص الركعتين بعد الوتر به صلى الله عليه وسلم لما سلف

التالي السابق


الخدمات العلمية