صفحة جزء
باب الرخصة في إعادة الجماعة وركعتي الطواف في كل وقت

993 - ( عن يزيد بن الأسود قال { : شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته ، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف ، فلما قضى صلاته انحرف ، فإذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا ، فقال : علي بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما ، فقال : ما [ ص: 112 ] منعكما أن تصليا معنا ؟ فقالا : يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في رحالنا ، قال : فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة } ) رواه الخمسة إلا ابن ماجه .

وفي لفظ لأبي داود : { إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الصلاة مع الإمام فليصلها معه ، فإنها له نافلة } .


الحديث أخرجه أيضا الدارقطني وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن ، وقال الترمذي : حسن صحيح ، وقد أخرجوه كلهم من طريق يعلى بن عطاء عن جابر بن زيد عن الأسود عن أبيه . قال الشافعي في القديم : إسناده مجهول . قال البيهقي : لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه ، ولا لابنه جابر راو غير يعلى . قال الحافظ : يعلى من رجال مسلم ، وجابر وثقه النسائي وغيره ، وقد وجدنا لجابر بن يزيد راويا غير يعلى ، أخرجه ابن منده في المعرفة من طريق شيبة عن إبراهيم بن أبي أمامة عن عبد الملك بن عمير عن جابر .

وفي الباب عن أبي ذر عند مسلم في حديث أوله : { كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها ؟ وفيه فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة } . وعن ابن مسعود عند مسلم بنحوه . وعن شداد بن أوس عند البزار . وعن محجن الديلمي عند مالك في الموطأ والنسائي وابن حبان والحاكم .

وعن أبي أيوب عند أبي داود { أنه سأله رجل من بني أسد بن خزيمة فقال : يصلي أحدنا في منزله الصلاة ثم يأتي المسجد وتقام الصلاة فأصلي معهم فأجد في نفسي من ذلك شيئا ، فقال أبو أيوب : سألنا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذلك له سهم جمع } وفي إسناده رجل مجهول قوله : ( ترعد ) بضم أوله وفتح ثالثه : أي تتحرك ، كذا قال ابن رسلان قوله : ( فرائصهما ) جمع فريصة بالصاد المهملة وهي اللحمة من الجنب والكتف التي لا تزال ترعد : أي تتحرك من الدابة واستعير للإنسان لأن له فريصة وهي ترجف عند الخوف . وقال الأصمعي : الفريصة : لحمة بين الكتف والجنب . وسبب ارتعاد فرائصهما ما اجتمع في رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهيبة العظيمة والحرمة الجسيمة لكل من رآه مع كثرة تواضعه قوله : ( ثم أتيتما مسجد جماعة ) لفظ أبي داود { إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه } ولفظ ابن حبان { إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الصلاة فصليا } قوله : ( فإنها لكما نافلة ) فيه تصريح بأن الثانية في الصلاة المعادة نافلة .

وظاهره عدم الفرق بين أن تكون الأولى جماعة أو فرادى ، لأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال . قال ابن عبد البر : قال جمهور الفقهاء : إنما يعيد الصلاة مع الإمام في جماعة من صلى وحده في بيته أو في غير بيته . وأما من صلى في جماعة وإن قلت فلا يعيد في أخرى قلت أو كثرت ، ولو أعاد في جماعة أخرى لأعاد في ثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية له ، وهذا لا يخفى فساده .

[ ص: 113 ] قال : وممن قال بهذا القول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم . ومن حجتهم قوله صلى الله عليه وسلم { : لا نصلي صلاة في يوم مرتين } انتهى . وذهب الأوزاعي والهادي وبعض أصحاب الشافعي وهو قول الشافعي القديم إلى أن الفريضة الثانية إذا كانت الأولى فرادى .

واستدلوا بما أخرجه أبو داود عن { يزيد بن عامر قال : جئت والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فجلست ولم أدخل معهم في الصلاة ، فانصرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه جالسا ، فقال : ألم تسلم يا يزيد ؟ قال : بلى يا رسول الله قد أسلمت ، قال : فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم ؟ قال : إني كنت قد صليت في منزلي وأنا أحسب أنكم قد صليتم ، فقال : إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم ، وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة } ولكنه ضعفه النووي ، وقال البيهقي : إن حديث يزيد بن الأسود أثبت منه وأولى . ورواه الدارقطني بلفظ { وليجعل التي صلى في بيته نافلة } وقال : هي رواية ضعيفة شاذة . انتهى . وعلى فرض صلاحية حديث يزيد بن عامر للاحتجاج به فالجمع بينه وبين حديث الباب ممكن بحمل حديث الباب على من صلى الصلاة الأولى في جماعة ، وحمل هذا على من صلى منفردا كما هو الظاهر من سياق الحديثين ويكونان مخصصين لحديث ابن عمر عند أبي داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا تصلوا صلاة في يوم مرتين } على فرض شموله لإعادة الفريضة من غير فرق بين أن تكون الإعادة بنية الافتراض أو التطوع .

وأما إذا كان النهي مختصا بإعادة الفريضة بنية الافتراض فقط فلا يحتاج إلى الجمع بينه وبين حديث الباب . ومن جملة المخصصات لحديث ابن عمر المذكور حديث أبي سعيد قال : { صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل رجل فقام يصلي الظهر ، فقال : ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه ؟ } أخرجه الترمذي وحسنه وابن حبان والبيهقي .

وحديث الباب يدل على مشروعية الدخول مع الجماعة بنية التطوع لمن كان قد صلى تلك الصلاة وإن كان الوقت وقت كراهة للتصريح بأن ذلك كان في صلاة الصبح . وإلى ذلك ذهب الشافعي فيكون هذا مخصصا لعموم الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة الصبح ، ومن جوز التخصيص بالقياس ألحق به ما سواه من أوقات الكراهة .

وظاهر التقييد بقوله صلى الله عليه وسلم : " ثم أتيتما مسجد جماعة " أن ذلك مختص بالجماعات التي تقام في المساجد لا التي تقام في غيرها ، فيحمل المطلق من ألفاظ حديث الباب كلفظ داود وابن حبان على المقيد بمسجد الجماعة .

ويؤيد ذلك ما أخرجه داود والنسائي عن سليمان بن يسار مولى ميمونة قال : " رأيت ابن عمر جالسا على البلاط وهو موضع مفروش بالبلاط بين المسجد والسوق بالمدينة وهم يصلون ، فقلت : ألا تصلي معهم ؟ فقال : قد صليت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ ص: 114 ] { لا تصلوا صلاة في يوم مرتين } .

التالي السابق


الخدمات العلمية