صفحة جزء
باب سجدة الشكر

1013 - ( عن أبي بكرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به خر ساجدا : شكرا لله تعالى } . رواه الخمسة إلا النسائي .

ولفظ أحمد أنه { شهد النبي صلى الله عليه وسلم أتاه بشير يبشره بظفر جند له على عدوهم ورأسه في حجر عائشة ، فقام فخر ساجدا فأطال السجود ، ثم رفع رأسه فتوجه نحو صدفته ، فدخل فاستقبل القبلة } ) .

1014 - ( وعن عبد الرحمن بن عوف قال : { خرج النبي صلى الله عليه وسلم فتوجه نحو صدفته ، فدخل فاستقبل القبلة ، فخر ساجدا فأطال السجود ، ثم رفع رأسه وقال : إن جبريل فبشرني ، فقال : إن الله عز وجل يقول لك : من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه ، فسجدت لله شكرا } رواه أحمد ) .


حديث أبي بكرة قال الترمذي : هو حسن غريب ، وفي إسناده بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه عن جده ، وهو ضعيف عند العقيلي وغيره . وقال ابن معين : إنه صالح الحديث . وحديث عبد الرحمن بن عوف أيضا البزار وابن أبي عاصم في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والعقيلي في الضعفاء والحاكم . وفي الباب عن أنس عند ماجه بنحو حديث أبي بكرة ، وفي سنده ضعف واضطراب .

وعن جابر عند ابن حبان في الضعفاء { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا نغاشيا فخر ساجدا ثم قال : أسأل الله العافية } [ ص: 127 ] والنغاشي بضم النون وبالغين والشين المعجمتين : القصير الضعيف الحركة الناقص الخلق ، قاله ابن الأثير .

وذكر حديث جابر الشافعي في المختصر ولم يذكر له إسنادا ، وكذا صنع الحاكم في المستدرك ، واستشهد به على حديث أبي بكرة وأسنده الدارقطني والبيهقي حديث جابر الجعفي عن جعفر محمد بن علي مرسلا ، وزاد أن اسم الرجل زنيم ، وكذا هو في مصنف ابن أبي شيبة من هذا الوجه .

وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص وسيأتي . قال البيهقي في الباب عن جابر وابن عمر وأنس وجرير وأبي جحيفة .

ا هـ . قال المنذري : وقد جاء حديث سجدة الشكر من حديث البراء بإسناد صحيح ، ومن حديث كعب بن مالك ذلك ا هـ . قوله : ( صدفته ) بفتح الصاد والدال المهملتين والفاء . والصدفة من أسماء البناء المرتفع ، وفي النهاية ما لفظه " كان إذا مر بصدف مائل أسرع المشي " قال : الصدف بفتحتين وضمتين : كل بناء عظيم مرتفع تشبيها بصدف الجبل ، وهو ما قابلك من جانبه ، واسم لحيوان في البحر ا هـ . وهذه الأحاديث تدل على مشروعية سجود الشكر وإلى ذلك ذهبت العترة وأحمد والشافعي . وقال مالك وهو مروي عن أبي حنيفة : إنه يكره إذا لم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم مع تواتر النعم عليه صلى الله عليه وسلم .

وفي رواية عن أبي حنيفة أنه مباح لأنه لم يؤثر وإنكار ورود سجود الشكر عن النبي صلى الله عليه وسلم من مثل هذين الإمامين مع وروده عنه صلى الله عليه وسلم من هذه الطرق التي ذكرها المصنف وذكرناها من الغرائب . ومما يؤيد ثبوت سجود الشكر قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم في سجدة ص { هي لنا شكر ولداود توبة } وليس في أحاديث الباب ما يدل على اشتراط الوضوء وطهارة الثياب والمكان .

وإلى ذلك ذهب الإمام يحيى وأبو طالب . وذهب أبو العباس والمؤيد بالله والنخعي وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يشترط في سجود الشكر شروط الصلاة . وليس في أحاديث الباب أيضا ما يدل على التكبير في الشكر وفي البحر أنه يكبر .

قال الإمام يحيى : ولا يسجد للشكر في الصلاة قولا واحدا إذ ليس من توابعها ، قال أبو طالب : ومستقبل القبلة .

1015 - ( وعن سعد بن أبي وقاص قال { : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة نريد المدينة فلما كنا قريبا من عزوراء ، نزل ثم رفع يديه فدعا الله ساعة ، ثم خر ساجدا فمكث طويلا ، ثم قام فرفع يديه ساعة . ثم خر ساجدا فعله ثلاثا ، وقال إني سألت ربي وشفعت لأمتي ، فأعطاني ثلث أمتي ، فخررت ساجدا شكرا لربي ، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي ، فخررت ساجدا شكرا لربي ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي ، فأعطاني الثلث الآخر ، فخررت ساجدا لربي } رواه أبو داود .

، وسجد أبو بكر حين جاءه قتل مسيلمة رواه سعيد بن منصور .

وسجد [ ص: 128 ] علي حين وجد ذا الثدية في الخوارج . رواه أحمد في مسنده .

وسجد كعب بن مالك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما بشر بتوبة الله عليه ، وقصته متفق عليها ) . الحديث قال المنذري : في إسناده موسى بن يعقوب الزمعي وفيه مقال ا هـ .

وأخرج أبو داود عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة ، عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل } وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود تكلم فيه غير واحد . وقال العقيلي : تغير في آخر عمره في حديثه اضطراب . وقال ابن حبان البستي : اختلط حديثه فلم يتميز فاستحق الترك . وقد استشهد بعبد الرحمن البخاري .

قوله : ( من عزوراء ) بفتح العين المهملة وسكون الزاي وفتح الواو ، وبالمد : ثنية الجحفة عليها الطريق من المدينة ويقال فيها : عزور . قال في القاموس : وعزور ثنية الجحفة عليها الطريق : ( قتل مسيلمة ) هو الكذاب وقصته معروفة قوله : ( ذا الثدية ) هو رجل من الخوارج الذين قتلهم علي عليه السلام يوم النهروان . ويقال له : المخدج ، وكان في يده مثل ثدي المرأة على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي عليه شعرات مثل سبالة السنور وقصته مشهورة ذكرها مسلم في صحيحه وأبو داود وغيرهما . قوله : ( وقصته متفق عليها ) وهي مطولة في الصحيحين وغيرهما .

وحاصلها أنه تخلف عن غزوة تبوك بلا عذر ، واعترف بذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعتذر بالأعذار الكاذبة كما فعل ذلك المتخلفون من المنافقين ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكليمه وأمره بمفارقة زوجته حتى ضاقت عليه وعلى صاحبيه اللذين اعترفا كما اعترف الأرض بما رحبت ، كما وصف الله ذلك في كتابه ، ثم بعد خمسين ليلة تاب عليهم ، فلما بشر بذلك سجد شكرا لله تعالى . والحديث يدل على مشروعية سجود الشكر ، وكذلك الآثار المذكورة ، وقد تقدم الخلاف في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية