صفحة جزء
1030 - ( وعن أبي هريرة { أن رجلا أعمى قال : يا رسول الله ليس لي قائد يقودني [ ص: 150 ] إلى المسجد ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته ، فرخص له ، فلما ولى دعاه فقال : هل تسمع النداء ؟ قال : نعم ، قال : فأجب } رواه مسلم والنسائي ) .

1031 - ( وعن عمرو ابن أم مكتوم قال : { قلت : يا رسول الله أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي ؟ قال : أتسمع النداء ؟ قال : نعم ، قال : ما أجد لك رخصة } رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه )


الحديث الثاني أخرجه أيضا ابن حبان والطبراني ، وزاد ابن حبان وأحمد في رواية " فأتها ولو حبوا " قوله : ( أن رجلا أعمى ) هو ابن أم مكتوم كما في الحديث الثاني . قوله : ( ليس لي قائد ) في الحديث الآخر " ولي قائد لا يلائمني " ظاهره التنافي إذا كان الأعمى المذكور في حديث أبي هريرة هو ابن أم مكتوم . ويجمع بينهما إما بتعدد الواقعة أو بأن المراد بالمنفي في الرواية الأولى القائد الملائم ، وبالمثبت في الثانية القائد الذي ليس بملائم . قوله : ( فرخص له ) ، إلى قوله : ( قال فأجب ) قيل : إن الترخيص في أول الأمر اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم ، والأمر بالإجابة بوحي من الله تعالى ، وقيل : الترخيص مطلق مقيد بعدم سماع النداء ، وقيل . : إن الترخيص باعتبار العذر والأمر للندب ، فكأنه قال : الأفضل لك والأعظم لأجرك أن تجيب وتحضر فأجب . قوله : ( ولي قائد لا يلائمني ) قال الخطابي : يروى في هذا الحديث يلاومني بالواو ، والصواب يلائمني : أي يوافقني وهو بالهمزة المرسومة بالواو والهمزة فيه أصلية . وأما : الملاومة بالواو فهي من اللوم وليس هذا موضعه . قوله : ( رخصة ) بوزن غرفة وقد تضم الخاء المعجمة بالإتباع ، وهي التسهيل في الأمر والتيسير . والحديثان استدل بهما القائلون بأن الجماعة فرض عين وقد تقدم ذكرهم . وأجاب الجمهور عن ذلك بأنه سأل هل له رخصة في أن يصلي في بيته وتحصل له فضيلة الجماعة لسبب عذره ؟ فقيل : لا ، ويؤيد هذا أن حضور الجماعة يسقط بالعذر بإجماع المسلمين ، ومن جملة العذر العمى إذا لم يجد قائدا كما في حديث عتبان بن مالك وهو في الصحيح وسيأتي .

ويدل على ذلك حديث ابن عباس عند ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من سمع النداء فلم يأت الصلاة فلا صلاة له إلا من عذر } قال الحافظ : وإسناده على شرط مسلم ، لكن رجح بعضهم وقفه . وأجاب البعض عن حديث الأعمى بأن النبي صلى الله عليه وسلم علم منه أنه يمشي بلا قائد لحذقه وذكائه كما [ ص: 151 ] هو مشاهد في بعض العميان يمشي بلا قائد ، لا سيما إذا كان يعرف المكان قبل العمى أو بتكرر المشي إليه استغنى عن القائد ، ولا بد من التأويل لقوله تعالى { ليس على الأعمى حرج } وفي أمر الأعمى بحضور الجماعة مع عدم القائد ومع شكايته من كثرة السباع والهوام في طريقه كما في مسلم غاية الحرج .

ولا يقال الآية في الجهاد ; لأنا نقول هو من القصر على السبب ، وقد تقرر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . واعلم أن الاستدلال بحديثي الأعمى وحديث أبي هريرة الذي في أول الباب على وجوب مطلق الجماعة فيه نظر ; لأن الدليل أخص من الدعوى ، إذ غاية ما في ذلك وجوب حضور جماعة النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده لسامع النداء ، ولو كان الواجب مطلق الجماعة لقال في المتخلفين إنهم لا يحضرون جماعته ولا يجمعون في منازلهم ، ولقال لعتبان بن مالك : انظر من يصلي معك ، ولجاز الترخيص للأعمى بشرط أن يصلي في منزله جماعة . .

التالي السابق


الخدمات العلمية