صفحة جزء
باب حضور النساء المساجد وفضل صلاتهن في بيوتهن

1036 - ( عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن } رواه الجماعة إلا ابن ماجه .

وفي لفظ : { لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن } رواه أحمد وأبو داود ) .

1037 - ( وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وليخرجن تفلات } رواه أحمد وأبو داود ) .


حديث ابن عمر هو بنحو اللفظ الآخر في الصحيحين أيضا بدون قوله : " وبيوتهن خير لهن " وهذه الزيادة أخرجها ابن خزيمة في صحيحه . وللطبراني بإسناد حسن نحوها ، ولها شاهد من حديث ابن مسعود عند أبي داود ، وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا ابن خزيمة من حديثه وابن حبان من حديث زيد بن خالد .

وأخرج مسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود : { إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا } وأول حديث أبي هريرة متفق عليه من حديث ابن عمر كما عرفت . قوله : ( إذا استأذنكم نساؤكم بالليل ) لم يذكر أكثر الرواة : " بالليل " كذا أخرجه مسلم وغيره . وخص الليل بالذكر لما فيه من الستر بالظلمة . قال النووي : واستدل به على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه لتوجه الأمر إلى الأزواج بالإذن .

وتعقبه ابن دقيق العيد بأن ذلك إن كان أخذا بالمفهوم فهو مفهوم لقب ضعيف ، لكن يتقوى بأن يقال : إن منع الرجال نساءهم أمر متقرر ، وإنما علق الحكم بالمسجد لبيان محل الجواز فبقي ما عداه على المنع .

وفيه إشارة إلى أن الإذن المذكور لغير الوجوب ; لأنه لو كان واجبا لا يبقى معنى للاستئذان ; لأن ذلك إنما هو [ ص: 157 ] متحقق إذا كان المستأذن مجيزا في الإجابة والرد .

أو يقال : إذا كان الإذن لهن فيما ليس بواجب حقا على الأزواج ، فالإذن له فيما هو واجب من باب الأولى . قوله : ( لا تمنعوا النساء ) مقتضى هذا النهي أن منع النساء من الخروج إلى المساجد مطلقا إما في الأزمان كما في هذه الرواية وكما في حديث أبي هريرة ، أو مقيدا بالليل كما تقدم ، أو مقيدا بالغلس كما في بعض الأحاديث يكون محرما على الأزواج . وقال النووي : إن النهي محمول على التنزيه وسيأتي الخلاف في ذلك .

قوله : ( وبيوتهن خير لهن ) أي صلاتهن في بيوتهن خير لهن من صلاتهن في المساجد لو علمن ذلك ، لكنهن لم يعلمن فيسألن الخروج إلى الجماعة يعتقدن أن أجرهن في المساجد أكثر . ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل : الأمن من الفتنة ، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة ، ومن ثم قالت عائشة ما قالت . قوله : ( إماء الله ) بكسر الهمزة أو المد جمع أمة .

قوله : ( وليخرجن تفلات ) بفتح التاء المثناة وكسر الفاء : أي غير متطيبات ، يقال : امرأة تفلة إذا كانت متغيرة الريح ، كذا قال ابن عبد البر وغيره ، وإنما أمرن بذلك ونهين عن التطيب كما في رواية مسلم المتقدمة عن زينب امرأة ابن مسعود لئلا يحركن الرجال بطيبهن . ويلحق بالطيب ما في معناه من المحركات لداعي الشهوة كحسن الملبس والتحلي الذي يظهر أثره والزينة الفاخرة . وفرق كثير من الفقهاء المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها ، وفيه نظر ، لأنها إذا عرت مما ذكر وكانت متسترة حصل الأمن عليها ولا سيما إذا كان ذلك بالليل .

1038 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة } رواه مسلم وأبو داود والنسائي ) .

1039 - ( وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { خير مساجد النساء قعر بيوتهن } رواه أحمد ) .

1040 - ( وعن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت : لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى من النساء ما رأينا لمنعهن من المسجد كما منعت بنو إسرائيل نساءهم ، قلت لعمرة : أو منعت بنو إسرائيل نساءها ؟ قالت : نعم . متفق عليه ) . حديث أم سلمة أخرجه أبو يعلى أيضا والطبراني في الكبير ، وفي إسناده ابن لهيعة وقد [ ص: 158 ] تقدم ما يشهد له .

وأخرج أحمد والطبراني من حديث { أم حميد الساعدية : أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني أحب الصلاة معك فقال صلى الله عليه وسلم : قد علمت ، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجد الجماعة } قال الحافظ : وإسناده حسن .

وأخرج أبو داود من حديث ابن مسعود قال : قال صلى الله عليه وسلم : { صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها } قوله : ( أصابت بخورا ) فيه دليل على أن الخروج من النساء إلى المساجد إنما يجوز إذا لم يصحب ذلك ما فيه فتنة كما تقدم وما هو في تحريك الشهوة فوق البخور داخل بالأولى .

قوله : ( فلا تشهدن ) في بعض النسخ هكذا بزيادة نون التوكيد ، وفي بعضها بحذفها ، وظاهر النهي التحريم .

قوله : ( رأى من النساء ما رأينا لمنعهن ) يعني من حسن الملابس والطيب والزينة والتبرج ، وإنما كان النساء يخرجن في المرط والأكسية والشملات الغلاظ . وقد تمسك بعضهم في منع النساء من المساجد مطلقا بقول عائشة ، وفيه نظر ، إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم ; لأنها علقته على شرط لم يوجد في زمانه صلى الله عليه وسلم ، بل قالت ذلك بناء على ظن ظنته فقالت : " لو رأى لمنع " فيقال عليه لم ير ولم يمنع وظنها ليس بحجة .

قوله : ( كما منعت بنو إسرائيل نساءها ) هذا وإن كان موقوفا فحكمه الرفع ; لأنه لا يقال بالرأي ، وقد روى نحوه عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح .

قوله : ( قالت نعم ) يحتمل أنها تلقته عن عائشة ، ويحتمل أن يكون عن غيرها . وقد ثبت ذلك من حديث عروة عن عائشة موقوفا ، أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح . ولفظه : " قالت : كن نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلا من خشب يتشرفن لرجال في المساجد ، فحرم الله تعالى عليهن المساجد وسلطت عليهن الحيضة " . وقد حصل من الأحاديث المذكورة في هذا الباب أن الإذن للنساء من الرجال إلى المساجد إذا لم يكن في خروجهن ما يدعو إلى الفتنة من طيب أو حلي أو أي زينة واجب على الرجال ، وأنه لا يجب مع ما يدعو إلى ذلك ولا يجوز ، ويحرم عليهن الخروج لقوله : " فلا تشهدن " وصلاتهن على كل حال في بيوتهن أفضل من صلاتهن في المساجد . .

التالي السابق


الخدمات العلمية