صفحة جزء
باب السعي إلى المسجد بالسكينة

1044 - ( عن أبي قتادة قال { : بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال ، فلما صلى قال : ما شأنكم ؟ قالوا : استعجلنا إلى الصلاة ، قال : فلا تفعلوا ، إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } متفق عليه ) .

1045 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ، ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } رواه الجماعة إلا الترمذي .

ولفظ النسائي وأحمد في رواية " فاقضوا " وفي رواية لمسلم { إذا ثوب بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم ، ولكن ليمش وعليه السكينة والوقار ، فصل ما أدركت ، واقض ما سبقك } ) .


[ ص: 161 ] قوله ( جلبة ) بجيم ولام موحدة ومفتوحات : أي أصواتهم حال حركتهم قوله : ( فعليكم السكينة ) ضبطه القرطبي بنصب السكينة على الإغراء ، وضبطه النووي بالرفع على أنها جملة في موضع الحال ، وفي رواية للبخاري : " وعليكم بالسكينة " وقد استشكل بعضهم دخول الباء ; لأنه متعد بنفسه كقوله تعالى { عليكم أنفسكم } قال الحافظ : وفيه نظر لثبوت زيادة الباء في الأحاديث الصحيحة كحديث : { عليكم برخصة الله ، فعليه بالصوم ، وعليك بالمرأة } قوله : ( فما أدركتم ) قال الكرماني : الفاء جواب شرط محذوف : أي إذا ثبت لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا .

قال في الفتح : أو التقدير إذا فعلتم فما أدركتم فصلوا : أي فعلتم الذي آمركم به من السكينة وترك الإسراع . قوله : ( وما فاتكم فأتموا ) أي أكملوا . وقد اختلف في هذه اللفظة في حديث أبي قتادة ، فرواية الجمهور " فأتموا " ورواية معاوية بن هشام عن شيبان " فاقضوا " ، كذا ذكره ابن أبي شيبة عنه .

ومثله روى أبو داود ، وكذلك وقع الخلاف في حديث أبي هريرة كما ذكر المصنف . قال الحافظ : والحاصل أن أكثر الروايات ورد بلفظ " فأتموا " وأقلها بلفظ " فاقضوا " ، وإنما يظهر فائدة ذلك إذا جعلنا بين التمام والقضاء مغايرة ، لكن إذا كان مخرج الحديث واحدا واختلف في لفظة منه وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى ، وهذا كذلك ; لأن القضاء وإن كان يطلق على الفائتة غالبا لكنه يطلق على الأداء أيضا ، ويرد بمعنى الفراغ كقوله تعالى : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا } ويرد لمعان أخر ، فيحمل قوله هنا : " فاقضوا " على معنى الأداء ، والفراغ فلا يغاير قوله : " فأتموا " فلا حجة لمن تمسك برواية " فاقضوا " على أن ما أدركه مع الإمام هو آخر صلاته حتى يستحب له الجهر في الركعتين الآخرتين وقراءة السورة وترك القنوت بل هو أولها وإن كان آخر صلاة إمامه ، لأن الآخر لا يكون إلا عن شيء تقدمه .

وأوضح دليل على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل حال ، فلو كان ما يدركه مع الإمام آخرا له لما احتاج إلى إعادة التشهد . وقول ابن بطال : إنه ما تشهد إلا لأجل السلام ; لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد ليس بالجواب الناهض على دفع الإيراد المذكور . واستدل ابن المنذر لذلك أيضا أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى ، وقد عمل بمقتضى اللفظين الجمهور فإنهم قالوا : إن ما أدرك مع الإمام هو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السورة مع أم القرآن في الرباعية ، لكن لم يستحبوا له إعادة الجهر في الركعتين الباقيتين .

وكان الحجة فيه قول علي عليه السلام : " ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك ، واقض ما سبقك به من القرآن " أخرجه البيهقي . وعن إسحاق والمزني أنه لا يقرأ إلا أم القرآن فقط ، قال الحافظ : وهو القياس .

قوله : ( إذا سمعتم الإقامة ) [ ص: 162 ] هو أخص من قوله في حديث أبي قتادة " إذا أتيتم الصلاة " لكن الظاهر أنه في مفهوم الموافقة ، وأيضا سامع الإقامة لا يحتاج إلى الإسراع ; لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها فينتهي عن الإسراع من باب الأولى . وقد لحظ بعضهم معنى غير هذا فقال : الحكمة في التقييد بالإقالة أن المسرع إذا أقيمت الصلاة يصل إليها فيقرأ في تلك الحال فلا يحصل تمام الخشوع في الترتيل وغيره ، بخلاف من جاء قبل ذلك فإن الصلاة قد لا تقام حتى يستريح .

وفيه أنه لا يكره الإسراع لمن جاء قبل الإقامة .

وهو مخالف لصريح قوله : " إذا أتيتم الصلاة " ; لأنه يتناول ما قبل الإقامة ، وإنما قيد الحديث الثاني بإقامة ; لأن ذلك هو الحامل في الغالب على الإسراع . قوله : ( والوقار ) قال عياض والقرطبي : هو بمعنى السكينة وذكر على سبيل التأكيد . وقال النووي : الظاهر أن بينهما فرقا وأن السكينة : التأني في الحركات واجتناب العبث . والوقار في الهيئة بغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات .

قوله : ( ولا تسرعوا ) فيه زيادة تأكيد فيستفاد منه الرد على من أول قوله في حديث أبي قتادة " فلا تفعلوا " بالاستعجال المفضي إلى عدم الوقار ، وأما الإسراع الذي لا ينافي الوقار لمن خاف فوت التكبيرة فلا ، كذا روي عن إسحاق بن راهويه . والحديثان يدلان على مشروعية المشي إلى الصلاة على سكينة ووقار وكراهية الإسراع والسعي .

والحكمة في ذلك ما نبه عليه صلى الله عليه وسلم كما وقع عند مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ : { فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة } أي أنه في حكم المصلي فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه . وقد استدل بحديثي الباب أيضا على أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته ; لأنه فاته القيام والقراءة فيه . قال في الفتح : وهو قول أبي هريرة وجماعة ، بل حكاه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام ، عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام ، واختاره ابن خزيمة والضبعي وغيرهما من الشافعية .

وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين . وقد قدمنا البحث عن هذا في باب ما جاء في قراءة المأموم وإنصاته إذا سمع إمامه . قال المصنف رحمه اللهبعد أن ساق الحديثين ما لفظه : وفيه حجة لمن قال : إن ما أدركه المسبوق آخر صلاته ، واحتج من قال بخلافه بلفظة الإتمام . انتهى . وقد عرفت الجمع بين الروايتين . .

التالي السابق


الخدمات العلمية