صفحة جزء
باب انعقاد الجماعة باثنين أحدهما صبي أو امرأة

1055 - ( عن ابن عباس قال : { بت عند خالتي ميمونة ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ، فقمت أصلي معه ، فقمت عن يساره ، فأخذ برأسي وأقامني عن يمينه } . رواه الجماعة وفي لفظ { : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ ابن عشر ، وقمت إلى جنبه عن يساره ، فأقامني عن يمينه ، قال : وأنا يومئذ ابن عشر سنين } . رواه أحمد ) .


قوله : ( بت ) في رواية " نمت " . قوله : ( يصلي من الليل ) قد تقدم الكلام في صلاة الليل . قوله : ( وأقامني عن يمينه ) يحتمل المساواة ويحتمل التقدم والتأخر قليلا . وفي رواية : " فقمت إلى جنبه " وهو ظاهر في المساواة .

وعن بعض أصحاب الشافعي : يستحب أن يقف المأموم دونه قليلا ، وليس عليه فيما أعلم دليل .

وفي الموطأ عن عبد الله بن مسعود قال : دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح ، فقمت وراءه ، فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه .

والحديث له فوائد كثيرة ، منه ما بوب له المصنف من انعقاد الجماعة باثنين أحدهما صبي وليس على قول من منع من انعقاد إمامة من معه صبي فقط دليل ، ولم يستدل لهم في البحر إلا بحديث : " رفع القلم " ورفع القلم لا يدل على عدم صحة صلاته وانعقاد الجماعة به ولو سلم لكان مخصصا بحديث ابن عباس ونحوه .

وقد ذهب إلى أن الجماعة لا تنعقد بصبي : الهادي والناصر المؤيد بالله وأبو حنيفة وأصحابه .

وذهب أصحاب الشافعي والإمام يحيى إلى الصحة من غير فرق بين الفرض والنفل . وذهب مالك وأبو حنيفة في رواية عنه إلى الصحة في النافلة . ومنها صحة صلاة النوافل جماعة وقد تقدم بعض الكلام على ذلك وسيأتي بقيته . ومنها أن موقف المؤتم عن يمين الإمام .

وقال سعيد بن المسيب : إن موقف المؤتم الواحد عن يسار الإمام ، ولم يتابع على ذلك لمخالفته للأدلة . وقد اختلف في صحة صلاة من وقف عن اليسار فقيل : [ ص: 171 ] لا تبطل بل هي صحيحة وهو قول الجمهور ، وتمسكوا بعدم بطلان صلاة ابن عباس لوقوفه عن اليسار لتقريره صلى الله عليه وسلم له على أول صلاته .

وقيل : تبطل وإليه ذهب أحمد والهادوية ، قالوا : وتقريره صلى الله عليه وسلم لابن عباس لا يدل على صحة صلاة من وقف من أول الصلاة إلى آخرها عن اليسار عالما . وغاية ما فيه تقرير من جهل الموقف والجهل عذر ، وسيأتي الكلام على الموقف للمؤتم الواحد والاثنين والجماعة في أبواب مواقف الإمام والمأموم .

ومنها جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة وقد بوب البخاري لذلك ، وفي المسألة خلاف ، والأصح عند الشافعية أنه لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوي الإمام الإمامة . واستدل لذلك ابن المنذر بحديث أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في رمضان ، قال : فجئت فقمت إلى جنبه ، وجاء آخر فقام إلى جنبي حتى كنا رهطا ، فلما أحس النبي صلى الله عليه وسلم بنا تجوز في صلاته } الحديث ، وسيأتي ، وهو ظاهر في أنه لم ينو الإمامة ابتداء وائتموا هم به ابتداء وأقرهم ، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وعلقه البخاري . وذهب أحمد إلى الفرق بين النافلة والفريضة ، فشرط أن ينوي في الفريضة دون النافلة ، وفيه نظر لحديث أبي سعيد : { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحده ، فقال : ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه } أخرجه أبو داود وقد حسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .

1056 - ( وعن أبي سعيد وأبي هريرة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات } رواه أبو داود ) . الحديث . ذكر أبو داود أن بعضهم لم يرفعه ولا ذكر أبا هريرة وجعله كلام أبي سعيد ، وبعضهم رواه موقوفا ، وقد أخرجه النسائي وابن ماجه مسندا وفيه مشروعية إيقاظ الرجل أهله بالليل للصلاة وقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته ، فإن أبت نضح في وجهها الماء ، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها ، فإن أبى نضحت في وجهه الماء } وفي إسناده محمد بن عجلان ، وقد وثقه أحمد ويحيى وأبو حاتم واستشهد به البخاري ، وأخرج له مسلم في المتابعة وتكلم فيه بعضهم .

وحديث الباب استدل به على صحة الإمامة وانعقادها برجل وامرأة وإلى ذلك ذهب الفقهاء ولكنه لا يخفى أن قول : " فصليا ركعتين جميعا " محتمل لأنه يصدق عليهما إذا صلى كل واحد منهما ركعتين منفردا أنهما صليا جميعا ركعتين ، أي كل واحد منهما فعل الركعتين ولم يفعلهما أحدهما [ ص: 172 ] فقط ، ولكن الأصل صحة الجماعة وانعقادها بالمرأة مع الرجل كما تنعقد بالرجل مع الرجل ، ومن منع ذلك فعليه الدليل ، ويؤيد ذلك ما أخرجه الإسماعيلي في مستخرجه عن عائشة أنها قالت : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من المسجد صلى بنا } وقال : إنه حديث غريب .

وقد روى الشافعي وابن أبي شيبة والبخاري تعليقا عن عائشة أنها كانت تأتم بغلامها .

وحكى المهدي في البحر عن العترة أنه لا يؤم الرجل امرأة ، واستدل لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : { أخروهن حيث أخرهن الله } وقوله : { شر صفوف النساء أولها } وليس في ذلك ما يدل على المطلوب . واستدل أيضا بأن عليا عليه السلام منع من ذلك ، قال : وهو توقيف . وجعله من التوقيف دعوى مجردة لأن المسألة من مسائل الاجتهاد ، وليس المنع مذهبا لجميع العترة فقد صرح الهادي أنه يجوز للرجل أن يؤم بالمحارم في النوافل وجوز ذلك المنصور بالله مطلقا . .

التالي السابق


الخدمات العلمية