صفحة جزء
باب إمامة الأعمى والعبد والمولى

1083 - ( عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلي [ ص: 192 ] بهم وهو أعمى } . رواه أحمد وأبو داود ) .

1084 - ( وعن محمود بن الربيع { أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى ، وأنه قال : يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر ، فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أين تحب أن أصلي فأشار إلى مكان في البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . } رواه بهذا اللفظ البخاري والنسائي ) .


حديث أنس أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه وأبو يعلى والطبراني عن عائشة . وأخرجه أيضا الطبراني بإسناد حسن عن ابن عباس . وأخرجه أيضا من حديث ابن بحينة وفي إسناده الواقدي .

وفي الباب عن { عبد الله بن عمر الخطمي أنه كان يؤم قومه بني خطمة وهو أعمى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم } . أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده وابن أبي خيثمة قوله : ( يصلي بهم وهو أعمى ) فيه جواز إمامة الأعمى وقد صرح أبو إسحاق المروزي والغزالي بأن إمامة الأعمى أفضل من إمامة البصير لأنه أكثر خشوعا من البصير لما في البصير من شغل القلب بالمبصرات .

ورجح البعض أن إمامة البصير أولى لأنه أشد توقيا للنجاسة ، والذي فهمه الماوردي من نص الشافعي أن إمامة الأعمى والبصير سواء في عدم الكراهية لأن في كل منهما فضيلة ، غير أن إمامة البصير أفضل ، لأن أكثر من جعله النبي صلى الله عليه وسلم إماما البصراء . وأما استنابته صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم في غزواته ، فلأنه كان لا يتخلف عن الغزو من المؤمنين إلا معذور ، فلعله لم يكن في البصراء المتخلفين من يقوم مقامه أو لم يتفرغ لذلك ، أو استخلفه لبيان الجواز .

وأما إمامة عتبان بن مالك لقومه فلعله أيضا لم يكن في قومه من هو في مثل حاله من البصراء قوله : ( كان يؤم قومه وهو أعمى ) في رواية للبخاري { أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي } وهو أصرح من اللفظ الذي ذكره المصنف في الدلالة على المطلوب لما فيه من ظهور التقدير بدون احتمال ، قوله : ( وأنا رجل ضرير البصر ) في رواية للبخاري " جعل بصري يكل " وفي أخرى : " قد أنكرت بصري " ولمسلم : " أصابني في بصري بعض الشيء " ، واللفظ الذي ذكره المصنف أخرجه البخاري في باب الرخصة في المطر ، وهو يدل على أنه قد كان أعمى .

وبقية الروايات تدل على أنه لم يكن قد بلغ إلى حد العمى . وفي رواية لمسلم بلفظ : " إنه عمي فأرسل " . وقد جمع بين الروايات بأنه أطلق عليه العمى لقربه منه ومشاركته له في فوات بعض البصر المعهود في حال الصحة . وأما قول محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى ، فالمراد أنه لقيه حين سمع [ ص: 193 ] منه الحديث وهو أعمى ، قوله : ( مكانا ) هو منصوب على الظرفية .

وفي حديث عتبان فوائد : منها إمامة الأعمى ، وإخبار المرء عن نفسه بما فيه من عاهة ، والتخلف عن الجماعة في المطر والظلمة ، واتخاذ موضع معين للصلاة وإمامة الزائر إذا كان هو الإمام الأعظم ، والتبرك بالمواضع التي صلى فيها صلى الله عليه وسلم ، وإجابة الفاضل دعوة المفضول وغير ذلك . .

التالي السابق


الخدمات العلمية