صفحة جزء
باب ما جاء في إمامة الفاسق

1087 - ( عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تؤمن امرأة رجلا ، ولا أعرابي مهاجرا ، ولا يؤمن فاجر مؤمنا ، إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه أو سوطه } رواه ابن ماجه ) .

1088 - ( وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { اجعلوا أئمتكم خياركم ، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم } رواه الدارقطني ) .

1089 - ( وعن مكحول عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الجهاد واجب عليكم مع كل أمير ، برا كان أو فاجرا ، والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برا كان أو فاجرا ، وإن عمل الكبائر } رواه أبو داود والدارقطني بمعناه ، وقال مكحول لم يلق أبا هريرة ) .

1090 - ( وعن عبد الكريم البكاء قال : أدركت عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يصلي خلف أئمة الجور . رواه البخاري في تاريخه ) .


حديث جابر في إسناده عبد الله بن محمد التميمي وهو تالف . قال البخاري : منكر الحديث . وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به . وقال وكيع : يضع الحديث ، وقد تابعه عبد الملك بن حبيب في الواضحة ولكنه متهم بسرقة الحديث وتخليط الأسانيد . وقد صرح ابن عبد البر بأن عبد الملك المذكور أفسد إسناد هذا الحديث ، وقد ثبت في كتب جماعة من أئمة أهل البيت كأحمد بن عيسى والمؤيد بالله وأبي طالب وأحمد بن سليمان والأمير الحسين وغيرهم عن علي عليه السلام مرفوعا : { لا يؤمنكم ذو جرأة في دينه } .

وفي إسناد حديث جابر أيضا علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف . وحديث ابن عباس في إسناده سلام بن سليمان المدائني وهو ضعيف . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا البيهقي [ ص: 195 ] وهو منقطع ، وأخرجه ابن حبان في الضعفاء ، وفي إسناده عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة وهو متروك . وأخرجه الدارقطني أيضا من حديث الحارث عن علي عليه السلام ومن حديث علقمة والأسود عن عبد الله . ومن حديث مكحول أيضا عن واثلة . ومن حديث أبي الدرداء من طرق كلها - كما قال الحافظ - واهية جدا . قال العقيلي : ليس في هذا المتن إسناد يثبت . نقل ابن الجوزي عن أحمد أنه سئل عنه فقال : ما سمعنا بهذا . وقال الدارقطني : ليس فيها شيء يثبت . قال الحافظ : وللبيهقي في هذا الباب أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف . وأصح ما فيه حديث مكحول عن أبي هريرة على إرساله . وقال أبو أحمد الحاكم : هذا حديث منكر . وأما قول عبد الكريم البكاء أنه أدرك عشرة من أصحاب النبي . . . إلخ ، فهو ممن لا يحتج بروايته ، وقد استوفى الكلام عليه في الميزان ، ولكنه قد ثبت إجماع أهل العصر الأول من بقية الصحابة ومن معهم من التابعين إجماعا فعليا ، ولا يبعد أن يكون قوليا ، على الصلاة خلف الجائرين ; لأن الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس ، فكان الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم في كل بلدة فيها أمير ، وكانت الدولة إذ ذاك لبني أمية وحالهم وحال أمرائهم لا يخفى . وقد أخرج البخاري عن ابن عمر : أنه كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف . وأخرج مسلم وأهل السنن : أن أبا سعيد الخدري صلى خلف مروان صلاة العيد في قصة تقديمه الخطبة على الصلاة ، وإخراج منبر النبي صلى الله عليه وسلم وإنكار بعض الحاضرين . وأيضا قد ثبت تواترا : أنه صلى الله عليه وسلم { أخبر بأنه يكون على الأمة أمراء يميتون الصلاة ميتة الأبدان ويصلون لغير وقتها ، فقالوا : يا رسول الله بم تأمرنا ؟ فقال : صلوا الصلاة لوقتها ، واجعلوا صلاتكم مع القوم نافلة } . ولا شك أن من أمات الصلاة وفعلها في غير وقتها غير عدل . وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة خلفه نافلة . ولا فرق بينها وبين الفريضة في ذلك .

ومما يؤيد عدم اشتراط عدالة إمام الصلاة حديث : { صلوا خلف من قال لا إله إلا الله ، وصلوا على من قال : لا إله إلا الله } أخرجه الدارقطني وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن ، كذبه يحيى بن معين ، ورواه أيضا من وجه آخر عنه ، وفي إسناده خالد بن إسماعيل وهو متروك ، ورواه أيضا من وجه آخر عنه ، وفي إسناده أبو الوليد المخزومي ، وقد خفي حاله أيضا على الضياء المقدسي ، وتابعه أبو البختري وهب بن وهب وهو كذاب . ورواه أيضا الطبراني من طريق مجاهد عن ابن عمر ، وفيه محمد بن الفضل وهو متروك . وله طريق أخرى عند ابن عمر وفيها عثمان بن عبد الله العثماني وقد رماه ابن عدي بالوضع . ومما يؤيد ذلك أيضا عموم أحاديث الأمر بالجماعة من غير فرق بين أن يكون الإمام برا أو فاجرا .

والحاصل أن الأصل عدم اشتراط العدالة ، وأن كل من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره وقد اعتضد هذا [ ص: 196 ] الأصل بما ذكر المصنف وذكرنا من الأدلة ، وبإجماع الصدر الأول عليه ، وتمسك الجمهور من بعدهم به ، فالقائل بأن العدالة شرط كما روي عن العترة ومالك وجعفر بن مبشر وجعفر بن حرب محتاج إلى دليل ينقل عن ذلك الأصل .

وقد أفردت هذا البحث برسالة مستقلة واستوفيت فيها الكلام على ما ظنه القائلون بالاشتراط دليلا من العمومات القرآنية وغيرها ، ولهم متمسك على اشتراط العدالة لم أقف على أحد استدل به ولا تعرض له . وهو ما أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري عن السائب بن خلاد : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا أم قوما فبصق في القبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ : لا يصلي لكم ، فأراد بعد ذلك أن يصلي بهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : نعم ، قال الراوي : حسبت أنه قال له : إنك آذيت الله ورسوله } .

واعلم أن محل النزاع إنما هو في صحة الجماعة خلف من لا عدالة له وأما أنها مكروهة فلا خلاف في ذلك كما في البحر . وقد أخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه صلى الله عليه وسلم : { إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم ، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم } ويؤيد ذلك حديث ابن عباس المذكور في الباب قوله : { لا تؤمن امرأة رجلا } فيه أن المرأة لا تؤم الرجل .

وقد ذهب إلى ذلك العترة والحنفية والشافعية وغيرهم ، وأجاز المزني وأبو ثور والطبري إمامتها في التراويح إذا لم يحضر من يحفظ القرآن . ويستدل للجواز بحديث أم ورقة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تؤم أهل دارها } رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة . وأخرجه أيضا الدارقطني والحاكم . وأصل الحديث : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرا قالت : يا رسول الله أتأذن لي في الغزو معك ؟ فأمرها أن تؤم أهل دارها وجعل لها مؤذنا يؤذن لها ، وكان لها غلام وجارية دبرتهما } فالظاهر أنها كانت تصلي ويأتم بها مؤذنها وغلامها وبقية أهل دارها . وقال الدارقطني : إنما أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها قوله : ( ولا أعرابي مهاجرا ) فيه أنه لا يؤم الأعرابي الذي لم يهاجر بمن كان مهاجرا ، وقد تقدم أن المهاجر أولى من المتأخر عنه في الهجرة ، وممن لم يهاجر أولى بالأولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية