صفحة جزء
باب هل يقتدي المفترض بالمتنفل أم لا

1096 - ( عن جابر { أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة ، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة } . متفق عليه . ورواه الشافعي والدارقطني وزاد هي له تطوع ولهم مكتوبة العشاء ) .

1097 - ( وعن معاذ بن رفاعة عن سليم رجل من بني سلمة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال { : يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا بعد ما ننام ونكون في أعمالنا في النهار فينادي بالصلاة فنخرج إليه فيطول علينا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معاذ لا تكن فتانا ، إما أن تصلي معي ، وإما أن تخفف على قومك } رواه أحمد ) .


[ ص: 200 ] حديث معاذ بن رفاعة إسناده كلهم ثقات . وحديث معاذ قد روي بألفاظ مختلفة ، وقد قدمنا في باب انفراد المأموم لعذر بعضا من ذلك . والزيادة التي رواها الشافعي والدارقطني رواها أيضا عبد الرزاق والطحاوي والبيهقي وغيرهم . قال الشافعي : هذا حديث ثابت لا أعلم حديثا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق واحد أثبت منه . قال في الفتح بعد أن ذكر هذه الزيادة : وهو حديث صحيح ورجاله رجال الصحيح ، وقد رد في الفتح على ابن الجوزي لما قال : إنها لا تصح . وعلى الطحاوي لما أعلها وزعم أنها مدرجة . والرواية الثانية التي رواها أحمد رواها أيضا الطحاوي وأعلها ابن حزم بالانقطاع لأن معاذ بن رفاعة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أدرك هذا الذي شكا إليه لأن هذا الشاكي مات قبل يوم أحد .

واعلم أنه قد استدل بالرواية المتفق عليها ، وتلك الزيادة المصرحة بأن صلاته بقومه كانت له تطوعا على جواز اقتداء المفترض بالمتنفل . وأجيب عن ذلك بأجوبة منها قوله صلى الله عليه وسلم : { إما أن تصلي معي ، وإما أن تخفف على قومك } فإنه ادعى الطحاوي أن معناه : إما أن تصلي معي ولا تصلي مع قومك ، وإما أن تخفف بقومك ولا تصلي معي .

ويرد بأن غاية ما في هذا أنه أذن له بالصلاة معه والصلاة بقومه مع التخفيف والصلاة معه فقط مع عدمه ، وهو لا يدل على مطلوب المانع من ذلك ، نعم قال المصنف رحمه اللهما لفظه : وقد احتج به بعض من منع اقتداء المفترض بالمتنفل قال : لأنه يدل على أنه متى صلى معه امتنعت إمامته ، وبالإجماع لا تمتنع بصلاة النفل معه ، فعلم أنه أراد بهذا القول صلاة الفرض وأن الذي كان يصلي معه كان ينويه نفلا ا هـ .

وعلى تسليم أن هذا هو المراد من ذلك القول ، فتلك الزيادة أعني قوله : " هي له تطوع ولهم مكتوبة " أرجح سندا وأصرح معنى . وقول الطحاوي إنها ظن من جابر مردود . لأن جابرا كان ممن يصلي مع معاذ فهو محمول على أنه سمع ذلك منه ، ولا يظن بجابر أنه أخبر عن شخص بأمر غير معلوم له إلا أن يكون ذلك الشخص أطلعه عليه فإنه أتقى لله وأخشى .

ومنها أن فعل معاذ لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقريره ، كذا قال الطحاوي . ورد بأن النبي صلى الله عليه وسلم علم بذلك وأمر معاذا به فقال : " صل بهم صلاة أخفهم " وقال له لما شكوا إليه تطويله : " أفتان أنت يا معاذ ؟ " وأيضا رأي الصحابي إذا لم يخالفه غيره حجة والواقع ههنا كذلك ، فإن الذين كان يصلي بهم معاذ كلهم صحابة ، وفيهم كما قال الحافظ ثلاثون عقبيا وأربعون بدريا ، وكذا قال ابن حزم قال : ولا نحفظ من غيرهم من الصحابة امتناع ذلك ، بل قال معهم بالجواز عمر وابنه وأبو الدرداء وأنس وغيرهم .

ومنها أن ذلك كان في الوقت الذي يصلي فيه الفريضة مرتين ، فيكون منسوخا بقوله صلى الله عليه وسلم : { لا تصلوا [ ص: 201 ] الصلاة في اليوم مرتين } كذا قال الطحاوي . ورد بأن النهي عن فعل الصلاة مرتين محمول على أنها فريضة في كل مرة كما جزم بذلك البيهقي جمعا بين الحديثين .

قال في الفتح : بل لو قال قائل : إن هذا النهي منسوخ بحديث معاذ لم يكن بعيدا . ولا يقال : القصة قديمة وصاحبها استشهد بأحد ; لأنا نقول : كانت أحد في أواخر الثالثة فلا مانع أن يكون النهي في الأولى ، والإذن في الثانية مثلا ، وقد قال صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين لم يصليا معه : { إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة } أخرجه أصحاب السنن من حديث يزيد بن الأسود ، وصححه ابن خزيمة وغيره وقد تقدم ، وكان ذلك في حجة الوداع في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم .

ويدل على الجواز أمره صلى الله عليه وسلم لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها أن يصلوها في بيوتهم في الوقت ثم يجعلوها معهم نافلة . ومنها أن صلاة المفترض خلف المتنفل من الاختلاف ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : { لا تختلفوا على إمامكم } .

ورد بأن الاختلاف المنهي عنه مبين في الحديث بقوله : " فإذا كبر فكبروا . . . إلخ " ولو سلم أنه يعم كل اختلاف لكان حديث معاذ ونحوه مخصصا له ، ومن المؤيدات لصحة صلاة المفترض خلف المتنفل ما قاله أصحاب الشافعي : إنه لا يظن بمعاذ أن يترك فضيلة الفرض خلف أفضل الأئمة في مسجده الذي هو أفضل المساجد بعد المسجد الحرام . ومنها ما قاله الخطابي أن العشاء في قوله : " كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء " حقيقة في المفروضة فلا يقال كان ينوي بها التطوع .

ومنها ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف " أنه كان يصلي كل طائفة ركعتين " وفي رواية أبي داود { أنه صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة ركعتين وسلم ، ثم صلى بطائفة ركعتين } وإحداهما نفل قطعا ، ودعوى اختصاص ذلك بصلاة الخوف غير ظاهرة . ومنها ما رواه الإسماعيلي عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم { كان يعود من المسجد فيؤم بأهله } وقد تقدم . .

التالي السابق


الخدمات العلمية