صفحة جزء
باب وقوف الإمام تلقاء وسط الصف وقرب أولي الأحلام والنهى منه

1116 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وسطوا الإمام ، وسدوا [ ص: 215 ] الخلل } رواه أبو داود ) .

1117 - ( وعن أبي مسعود الأنصاري قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول : استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ، ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم } رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه ) .

1118 - ( وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، وإياكم وهيشات الأسواق } رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي ) .

1119 - ( وعن أنس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه } . رواه أحمد وابن ماجه ) .


حديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود والمنذري وهو من طريق جعفر بن مسافر شيخ أبي داود . قال النسائي : صالح ، وفي إسناده يحيى بن بشير بن خلاد عن أمه واسمها أمة الواحد ، ويحيى مستور وأمه مجهولة . وحديث أبي مسعود أخرجه أيضا أبو داود . وحديث ابن مسعود قال الترمذي : حسن غريب وقال الدارقطني : تفرد به خالد بن مهران الحذاء عن أبي معشر زياد بن كليب . وقال ابن سيد الناس : إنه صحيح لثقة رواته وكثرة الشواهد له ، قال : ولذلك حكم مسلم بصحته . وأما غرابته فليست تنافي الصحة في بعض الأحيان . وأما حديث أنس فأخرجه أيضا الترمذي ولم يذكر له إسنادا ، والنسائي ورجال إسناده عند ابن ماجه رجال الصحيح

وفي الباب عن أبي بن كعب عند أحمد من حديث { قيس بن عباد قال : قدمت المدينة للقاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وما كان بينهم رجل ألقاه أحب إلي من أبي بن كعب ، فأقيمت الصلاة فخرج عمر مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت في الصف الأول ، فجاء رجل فنظر في وجوه القوم فعرفهم غيري ، فنحاني وقام في مكاني ، فما عقلت صلاتي ، فلما صلى قال : يا بني لا [ ص: 216 ] يسوءك الله ، إني لم آت الذي أتيت بجهالة ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : كونوا في الصف الذي يليني وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك ، ثم حدث فما رأيت الرجال متحت أعناقها إلى شيء متوجها إليه ، قال : فسمعته يقول : هلك أهل العقدة ورب الكعبة ، ألا لا عليهم آسى ، ولكن آسى على من يهلكون من المسلمين ، وإذا هو أبي يعني ابن كعب } هذا لفظ أحمد وقد أخرج الحديث أيضا النسائي وابن خزيمة في صحيحه " ومتحت " بفتح الميم وتاءين مثناتين بينهما حاء مهملة : أي مدت " وأهل العقدة " بضم العين المهملة وسكون القاف : يريد البيعة المعقودة للولاية . وعن سمرة عند الطبراني في الكبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ليقم الأعراب خلف المهاجرين والأنصار ليقتدوا بهم في الصلاة } وهو من رواية الحسن عن سمرة وعن البراء أشار إليه الترمذي .

وعن ابن عباس عند الدارقطني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يتقدم في الصف الأول أعرابي ولا عجمي ولا غلام لم يحتلم } وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف قوله : ( وسطوا الإمام ) فيه مشروعية جعل الإمام مقابلا لوسط الصف وهو أحد الاحتمالات التي يحتملها الحديث وقد تقدمت ، قوله : ( وسدوا الخلل ) قال المنذري : هو بفتح الخاء المعجمة واللام وهو ما بين الاثنين من الاتساع

وسيأتي ذكر ما هي الحكمة في ذلك في باب الحث على تسوية الصفوف قوله : ( فتختلف قلوبكم ) لأن مخالفة الصفوف مخالفة الظواهر ، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن قوله : ( ليليني ) قال النووي : هو بكسر اللامين وتخفيف النون من غير ياء قبل النون ، ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التوكيد واللام في أوله لام الأمر المكسورة : أي ليقرب مني قوله : ( أولو الأحلام والنهى ) قال ابن سيد الناس : الأحلام والنهى بمعنى واحد ، والنهى بضم النون جمع نهية بالضم أيضا وهي العقل لأنها تنهى عن القبح . قال أبو علي الفارسي : يجوز أن يكون النهى مصدرا كالهدى وأن يكون جمعا كالظلم . وقيل : المراد بأولي الأحلام : البالغون ، وبأولي النهى : العقلاء ، فعلى الأول يكون العطف فيه من باب :

فألفى قولها كذبا ومينا

وهو أن ينزل تغاير اللفظ منزلة تغاير المعنى وهو كثير في الكلام . وعلى الثاني يكون لكل لفظ معنى مستقل . وقد روي عن عمر بن الخطاب : أنه كان إذا رأى صبيا في الصف أخرجه

وعن زر بن حبيش وأبي وائل مثل ذلك ، وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم هذا النوع بالتقديم لأنه الذي يتأتى منه التبليغ ، ويستخلف إذا احتيج إلى استخلافه ، ويقوم بتنبيه الإمام إذا احتيج إليه قوله : ( وإياكم وهيشات الأسواق ) بفتح الهاء وإسكان الياء [ ص: 217 ] المثناة من تحت وبالشين المعجمة أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها

والهوشة : الفتنة والاختلاط . والمراد النهي عن أن يكون اجتماع الناس في الصلاة مثل اجتماعهم في الأسواق متدافعين متغايرين مختلفي القلوب والأفعال قوله : ( يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ) فيه وفي حديث أبي بن كعب وسمرة مشروعية تقدم أهل العلم والفضل ليأخذوا عن الإمام ويأخذ عنهم غيرهم ، لأنهم أمس بضبط صفة الصلاة وحفظها ونقلها وتبليغها .

التالي السابق


الخدمات العلمية