صفحة جزء
باب ما جاء في صلاة الرجل فذا ومن ركع أو أحرم دون الصف ثم دخله

1124 - ( عن علي بن شيبان { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل ، فقال له : استقبل صلاتك ، فلا صلاة لمنفرد خلف الصف } . رواه أحمد وابن ماجه ) .

1125 - ( وعن وابصة بن معبد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده ، فأمره أن يعيد صلاته } . رواه الخمسة إلا النسائي . وفي رواية قال : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل صلى خلف الصفوف وحده ، فقال : يعيد الصلاة } رواه أحمد ) .

1126 - ( { وعن أبي بكرة أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع ، فركع قبل أن يصل [ ص: 220 ] إلى الصف ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : زادك الله حرصا ولا تعد } رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي ) .

1127 - ( وعن ابن عباس قال : { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم من آخر الليل ، فصليت خلفه ، فأخذ بيدي فجرني حتى جعلني حذاءه } . رواه أحمد ) .


حديث علي بن شيبان روى الأثرم عن أحمد أنه قال : حديث حسن . قال ابن سيد الناس : رواته ثقات معروفون . وهو من رواية عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه وعبد الرحمن قال فيه ابن حزم : وما نعلم أحدا عابه بأكثر من أنه لم يرو عنه إلا عبد الرحمن بن بدر وهذا ليس جرحة انتهى . وقد روى عنه أيضا ابنه محمد ووعلة بن عبد الرحمن بن وثاب ، ووثقه ابن حبان وروى له أبو داود وابن ماجه . ويشهد لحديث علي بن شيبان ما أخرجه ابن حبان عن طلق مرفوعا : { لا صلاة لمنفرد خلف الصف } وحديث وابصة بن معبد أخرجه أيضا الدارقطني وابن حبان وحسنه الترمذي . وقال ابن عبد البر : إنه مضطرب الإسناد ولا يثبته جماعة من أهل الحديث وقال ابن سيد الناس : ليس الاضطراب الذي وقع فيه مما يضره ، وبين ذلك في شرح الترمذي له وأطال وأطاب .

وحديث أبي بكرة أخرجه أيضا ابن حبان . وحديث ابن عباس هو إحدى الروايات التي وردت في صفة دخوله مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل في الليلة التي بات فيها عند خالته ميمونة ، والذي في الصحيحين وغيرهما : أنه قام عن يساره فجعله عن يمينه . وقد اختلف السلف في صلاة المأموم خلف الصف وحده ، فقالت طائفة : لا يجوز ولا يصح

وممن قال بذلك النخعي والحسن بن صالح وأحمد وإسحاق وحماد وابن أبي ليلى ووكيع ، وأجاز ذلك الحسن البصري والأوزاعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي . وفرق آخرون في ذلك فرأوا على الرجل الإعادة دون المرأة ، وتمسك القائلون بعدم الصحة بحديث علي بن شيبان ووابصة بن معبد المذكورين

وتمسك القائلون بالصحة بحديث أبي بكرة قالوا : لأنه أتى ببعض الصلاة خلف الصف ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة ، فيحمل الأمر بالإعادة على جهة الندب مبالغة في المحافظة على الأولى

ومن جملة ما تمسكوا به حديث ابن عباس وجابر ، إذ جاء كل واحد منهما فوقف عن يسار رسول الله مؤتما به وحده ، فأدار كل واحد منهما حتى جعله عن يمينه ، قالوا : فقد صار كل واحد منهما خلف رسول الله في تلك الإدارة وهو تمسك غير مفيد للمطلوب ; لأن المدار من اليسار إلى اليمين لا يسمى مصليا خلف الصف وإنما هو مصل عن اليمين . [ ص: 221 ] ومن متمسكاتهم ما روي عن الشافعي : أنه كان يضعف حديث وابصة ويقول : لو ثبت لقلت به ، ويجاب عنه بأن البيهقي وهو من أصحابه قد أجاب عنه فقال : الخبر المذكور ثابت ، قيل : الأولى الجمع بين أحاديث الباب بحمل عدم الأمر بالإعادة على من فعل ذلك لعذر مع خشية الفوت لو انضم إلى الصف

وأحاديث الإعادة على من فعل ذلك لغير عذر . وقيل : من لم يعلم ما في ابتداء الركوع على تلك الحال من النهي فلا إعادة عليه كما في حديث أبي بكرة لأن النهي عن ذلك لم يكن تقدم ، ومن علم بالنهي وفعل بعض الصلاة أو كلها خلف الصلاة لزمته الإعادة

قال ابن سيد الناس : ولا يعد حكم الشروع في الركوع خلف الصف حكم الصلاة كلها خلفه ، فهذا أحمد بن حنبل يرى أن صلاة المنفرد خلف الصلاة باطلة ، ويرى أن الركوع دون الصف جائز قال : وقد اختلف السلف في الركوع دون الصف ، فرخص فيه زيد بن ثابت ، وفعل ذلك ابن مسعود وزيد بن وهب .

وروي عن سعيد بن جبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة وابن جريج ومعمر أنهم فعلوا ذلك . وقال الزهري : إن كان قريبا من الصف فعل ، وإن كان بعيدا لم يفعل وبه قال الأوزاعي انتهى

قال الحافظ في التلخيص : اختلف في معنى قوله : " ولا تعد " فقيل : نهاه عن العود إلى الإحرام خارج الصف ، وأنكر هذا ابن حبان وقال : أراد لا تعد في إبطاء المجيء إلى الصلاة . وقال ابن القطان الفاسي تبعا للمهلب بن أبي صفرة : معناه لا تعد إلى دخولك في الصف وأنت راكع فإنها كمشية البهائم ، ويؤيده رواية حماد بن سلمة في مصنفه عن الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة : { أنه دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وقد ركع ، فركع ثم دخل الصف وهو راكع ، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيكم دخل في الصف وهو راكع ؟ فقال له أبو بكرة : أنا ، فقال : زادك الله حرصا ولا تعد } وقال غيره : بل معناه : لا تعد إلى إتيان الصلاة مسرعا واحتج بما رواه ابن السكن في صحيحه بلفظ : { أقيمت الصلاة فانطلقت أسعى حتى دخلت في الصف ، فلما قضى الصلاة قال : من الساعي آنفا ؟ قال أبو بكرة : فقلت : أنا ، فقال : زادك الله حرصا ولا تعد } .

قال : في التلخيص أيضا : إنه روى الطبراني - في الأوسط من حديث ابن الزبير ما يعارض هذا الحديث ، فأخرج من حديث ابن وهب عن ابن جريج عن عطاء سمع ابن الزبير على المنبر يقول : " إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع فليركع حين يدخل ثم يدب راكعا حتى يدخل في الصف ، فإن ذلك السنة " قال عطاء : وقد رأيته يصنع ذلك ، قال : وتفرد به ابن وهب ولم يروه عنه غير حرملة ، ولا يروى عن ابن الزبير إلا بهذا الإسناد انتهى

وقد اختلف فيمن لم يجد فرجة ولا سعة في الصف ما الذي يفعل ؟ فحكي عن نصه في البويطي : أنه يقف منفردا ولا يجذب [ ص: 222 ] إلى نفسه أحدا ; لأنه لو جذب إلى نفسه واحدا لفوت عليه فضيلة الصف الأول ، ولأوقع الخلل في الصف ، وبهذا قال أبو الطيب الطبري وحكاه عن مالك . وقال أكثر أصحاب الشافعي وبه قالت الهادوية : إنه يجذب إلى نفسه واحدا ، ويستحب للمجذوب أن يساعده

ولا فرق بين الداخل في أثناء الصلاة والحاضر في ابتدائها في ذلك . وقد روى عطاء وإبراهيم النخعي أن الداخل إلى الصلاة والصفوف قد استوت واتصلت يجوز له أن يجذب إلى نفسه واحدا ليقوم معه ، واستقبح ذلك أحمد وإسحاق ، وكرهه الأوزاعي ومالك

وقال بعضهم : جذب الرجل في الصف ظلم . واستدل القائلون بالجواز بما رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي من حديث وابصة : { أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل صلى خلف الصف : أيها المصلي هلا دخلت في الصف أو جررت رجلا من الصف ؟ أعد صلاتك } وفيه السري بن إسماعيل وهو متروك . وله طريق أخرى في تاريخ أصبهان لأبي نعيم ، وفيها قيس بن الربيع وفيه ضعف

ولأبي داود في المراسيل من رواية مقاتل بن حيان مرفوعا : { إن جاء رجل فلم يجد أحدا فليختلج إليه رجلا من الصف فليقم معه فما أعظم أجر المختلج } .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس بإسناد قال الحافظ : رواه بلفظ : { إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الآتي وقد تمت الصفوف أن يجتذب إليه رجلا يقيمه إلى جنبه } .

التالي السابق


الخدمات العلمية