صفحة جزء
باب الحث على تسوية الصفوف ورصها وسد خللها

1128 - ( عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { سووا صفوفكم ، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة } ) .

1129 - ( وعن أنس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول : تراصوا واعتدلوا } . متفق عليهما ) .

1130 - ( وعن النعمان بن بشير قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا كأنما يسوي به القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ، ثم خرج يوما فقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلا باديا صدره من الصف ، فقال : عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم } رواه الجماعة إلا البخاري فإن له منه : { لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم } ولأحمد وأبي داود في رواية قال : [ ص: 223 ] فرأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه ، وركبته بركبته ، ومنكبه بمنكبه ) .


وفي الباب غير ما ذكره المصنف عند أحمد وأبي داود والنسائي قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول : لا تختلفوا فتختلف قلوبكم } الحديث وعن أبي هريرة عند مسلم . وعن جابر بن عبد الله عند عبد الرزاق . وعن ابن عمر عند أحمد وأبي داود . قوله : ( سووا صفوفكم ) فيه أن تسوية الصفوف واجبة

قوله : ( فإن تسوية الصف من تمام الصلاة ) في لفظ البخاري " من إقامة الصلاة " والمراد بالصف : الجنس . وفي رواية : " فإن تسوية الصفوف " ، وقد استدل ابن حزم بذلك على وجوب التسوية ، قال : لأن إقامة الصلاة واجبة ، وكل شيء من الواجب واجب ، ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب وروي عن عمر وبلال ما يدل على الوجوب عندهما لأنهما كانا يضربان الأقدام على ذلك

قال في الفتح : ولا يخفى ما فيه لا سيما وقد بينا أن الرواة لم يتفقوا على هذه العبارة ، يعني أنه رواها بعضهم بلفظ : " من تمام الصلاة " كما تقدم

واستدل ابن بطال بما في البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ : { فإن إقامة الصف من حسن الصلاة } على أن التسوية سنة ، قال : لأن حسن الشيء زيادة على تمامه . وأورد عليه رواية : " من تمام الصلاة " وأجاب ابن دقيق العيد فقال : قد يؤخذ من قوله : " تمام الصلاة " الاستحباب ; لأن تمام الشيء في العرف أمر خارج عن حقيقته التي لا يتحقق إلا بها وإن كان يطلق بحسب الوضع على ما لا تتم الحقيقة إلا به . ورد بأن لفظ الشارع لا يحمل إلا على ما دل عليه الوضع في اللسان العربي ، وإنما يحمل على العرف إذا ثبت أنه عرف الشارع لا العرف الحادث

قوله : ( تراصوا ) بتشديد الصاد المهملة : أي تلاصقوا بغير خلل ، وفيه جواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة . قوله : ( لتسون ) بضم التاء المثناة من فوق وفتح السين وضم الواو وتشديد النون . قال البيضاوي : هذه اللام التي يتلقى بها القسم ، والقسم هنا مقدر ولهذا أكده بالنون المشددة . قوله : ( أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) أي إن لم تسووا ، والمراد بتسوية الصفوف : اعتدال القائمين بها على سمت واحد ، ويراد بها أيضا سد الخلل الذي في الصف

واختلف في الوعيد المذكور فقيل : هو على حقيقته ، والمراد تشويه الوجه بتحويل خلقه عن موضعه بجعله موضع القفا أو نحو ذلك ، فهو نظير ما تقدم فيمن رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار . وفيه من اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية وهي المخالفة

قال في الفتح : وعلى هذا فهو واجب والتفريط فيه حرام ، ويؤيد الوجوب حديث أبي أمامة بلفظ : { لتسون الصفوف أو لتطمسن [ ص: 224 ] الوجوه } أخرجه أحمد وفي إسناده ضعف . ومنهم من حمل الوعيد المذكور على المجاز

قال النووي : معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب كما تقول : تغير وجه فلان أي ظهر لي من وجهه كراهة ; لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم ، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن ، ويؤيده رواية أبي داود بلفظ : { أو ليخالفن الله بين قلوبكم } وقال القرطبي : معناه تفترقون فيأخذ كل واحد وجها غير الذي يأخذه صاحبه ; لأن تقدم الشخص على غيره مظنة للتكبر المفسد للقلب الداعي إلى القطيعة . والحاصل أن المراد بالوجه إن حمل على العضو المخصوص فالمخالفة إما بحسب الصورة الإنسانية أو الصفة أو جعل القدام وراء ، وإن حمل على ذات الشخص فالمخالفة بحسب المقاصد أشار إلى ذلك الكرماني

ويحتمل أن يراد المخالفة في الجزاء فيجازي المسوي بخير ومن لا يسوي بشر . قوله : ( كأنما يسوي بها القداح ) هي جمع قدح بكسر القاف وإسكان الدال المهملة : وهو السهم قبل أن يراش ويركب فيه النصل قوله : ( يلزق ) بضم أوله يتعدى بالهمزة والتضعيف يقال : ألزقته ولزقته قوله : ( منكبه ) المنكب مجتمع العضد والكتف .

التالي السابق


الخدمات العلمية