صفحة جزء
باب من أقام لقضاء حاجة ولم يجمع إقامة

1166 - ( عن جابر قال : { أقام النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة } . رواه أحمد وأبو داود ) .

1167 - ( وعن عمران بن حصين قال : { غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الفتح ، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين يقول : يا أهل البلدة صلوا أربعا فإنا سفر } رواه أبو داود ، وفيه دليل على أنه لم يجمع إقامة ) .

1168 - ( وعن ابن عباس قال : { لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة أقام فيها تسع عشرة يصلي ركعتين ، قال : فنحن إذا سافرنا فأقمنا تسع عشرة قصرنا ، وإن زدنا أتممنا } . رواه أحمد والبخاري وابن ماجه ، ورواه أبو داود ولكنه قال : سبع عشرة . وقال : قال عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس : أقام تسع عشرة ) .

1169 - ( وعن ثمامة بن شراحيل قال : خرجت إلى ابن عمر فقلت : ما صلاة [ ص: 250 ] المسافر ؟ فقال : ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ثلاثا ، قلت : أرأيت إن كنا بذي المجاز ؟ قال : وما ذي المجاز ؟ قلت : مكان نجتمع فيه ، ونبيع فيه ، ونمكث عشرين ليلة أو خمس عشرة ليلة ، فقال : يا أيها الرجل كنت بأذربيجان - لا أدري قال أربعة أشهر أو شهرين - فرأيتهم يصلون ركعتين ركعتين . رواه أحمد في مسنده ) .


أما حديث جابر فأخرجه أيضا ابن حبان والبيهقي وصححه ابن حزم والنووي ، وأعله الدارقطني في العلل بالإرسال والانقطاع ، وأن علي بن المبارك وغيره من الحفاظ رووه عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مرسلا ، وأن الأوزاعي رواه عن يحيى عن أنس فقال : " بضع عشرة " وبهذا اللفظ أخرجه البيهقي وهو ضعيف وقد اختلف فيه على الأوزاعي ، ذكره الدارقطني في العلل وقال : الصحيح عن الأوزاعي عن يحيى أن أنسا كان يفعله .

قال الحافظ : ويحيى لم يسمع من أنس . وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه أيضا الترمذي وحسنه البيهقي ، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف . قال الحافظ : وإنما حسن الترمذي حديثه لشواهده ولم يعتبر الاختلاف في المدة كما عرف من عادة المحدثين من اعتبارهم الاتفاق على الأسانيد دون السياق وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضا بلفظ : " سبع عشرة " بتقديم السين ابن حبان ، وأما الأثر المروي عن ابن عمر فذكره الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه . وأخرجه البيهقي بسند ، قال الحافظ : صحيح بلفظ : " إن ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة " وقد اختلفت الأحاديث في إقامته صلى الله عليه وسلم في مكة عام الفتح ، فروي ما ذكر المصنف ، وروي عشرون أخرجه عبد بن حميد في مسنده عن ابن عباس ، وروي خمسة عشر أخرجه النسائي وأبو داود وابن ماجه والبيهقي عن ابن عباس أيضا . قال البيهقي : أصح الروايات في ذلك رواية البخاري ، وهي رواية تسع عشرة بتقديم التاء وجمع إمام الحرمين والبيهقي بين الروايات باحتمال أن يكون في بعضها لم يعد يومي الدخول والخروج وهي رواية سبعة عشر بتقديم السين ، وعدها في بعضها وهي رواية تسع عشرة بتقديم التاء ، وعد يوم الدخول ولم يعد الخروج وهي رواية ثمانية عشر . قال الحافظ : وهو جمع متين . وتبقى رواية خمسة عشر شاذة لمخالفتها ، ورواية عشرين وهي صحيحة الإسناد إلا أنها شاذة ا هـ . وقد ضعف النووي في الخلاصة رواية خمسة عشر قال في الفتح : وليس بجيد لأن رواتها ثقات ولم ينفرد بها ابن إسحاق فقد أخرجها النسائي من رواية عراك بن مالك عن عبد الله كذلك .

وإذا ثبت أنها صحيحة فلتحمل على أن الراوي ظن أن الأصل سبع عشرة ، فحذف منها يومي الدخول والخروج ، فذكر أنها خمسة عشر ، [ ص: 251 ] واقتضى ذلك أن رواية تسع عشرة أرجح الروايات ، وبهذا أخذ إسحاق بن راهويه ، ويرجحها أيضا أنها أكثر ما وردت به الروايات الصحيحة وأخذ الثوري وأهل الكوفة برواية خمس عشرة لكونها أقل ما ورد ، فيحمل ما زاد على أنه وقع اتفاقا . وأخذ الشافعي بحديث عمران بن حصين . وقد اختلف العلماء في تقدير المدة التي يقصر فيها المسافر إذا أقام ببلدة وكان مترددا غير عازم على إقامة أيام معلومة . فذهب الهادي والقاسم والإمامية إلى أن من لم يعزم إقامة مدة معلومة كمنتظر الفتح يقصر إلى شهر ويتم بعده .

واستدلوا بقول علي رضي الله عنه المتقدم في شرح الباب الأول ، وقد تقدم الجواب عليه . وذهب أبو حنيفة وأصحابه والإمام يحيى وهو مروي عن الشافعي إلى أنه يقصر أبدا ، لأن الأصل السفر ، ولما ذكره المصنف عن ابن عمر قالوا : وما روي من قصره صلى الله عليه وسلم في مكة وتبوك دليل لهم لا عليهم ، لأنه صلى الله عليه وسلم قصر مدة إقامته ، ولا دليل على التمام فيما بعد تلك المدة .

ويؤيد ذلك ما أخرجه البيهقي عن ابن عباس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بحنين أربعين يوما يقصر الصلاة } ولكنه قال : تفرد به الحسن بن عمارة وهو غير محتج به .

وروي عن ابن عمر وأنس : أنه يتم بعد أربعة أيام . والحق أن الأصل في المقيم الإتمام ، لأن القصر لم يشرعه الشارع إلا للمسافر ، والمقيم غير مسافر ، فلولا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قصره بمكة وتبوك مع الإقامة لكان المتعين هو الإتمام ، فلا ينتقل عن ذلك الأصل إلا بدليل ، وقد دل الدليل على القصر مع التردد إلى عشرين يوما كما في حديث جابر ، ولم يصح أنه صلى الله عليه وسلم قصر في الإقامة أكثر من ذلك فيقتصر على هذا المقدار ، ولا شك أن قصره صلى الله عليه وسلم في تلك المدة لا ينفي القصر فيما زاد عليها ، ولكن ملاحظة الأصل المذكور هي القاضية بذلك .

فإن قيل : المعتبر صدق اسم المسافر على المقيم المتردد ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إنا قوم سفر " فصدق عليه هذا الاسم ، ومن صدق عليه هذا الاسم قصر ، لأن المعتبر هو السفر لانضباطه لا المشقة لعدم انضباطها ، فيجاب عنه أولا : بأن في الحديث المقال المتقدم ، وثانيا بأنه يعلم بالضرورة أن المقيم المتردد غير مسافر حال الإقامة ، فإطلاق اسم المسافر عليه مجاز باعتبار ما كان عليه أو ما سيكون عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية