قوله تعالى : 
إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون  [ ص: 226 ] إذ متعلق بقوله : 
ولقد عفا عنكم   . وقراءة العامة 
تصعدون بضم التاء وكسر العين . وقرأ 
أبو رجاء العطاردي   nindex.php?page=showalam&ids=12067وأبو عبد الرحمن السلمي  والحسن  وقتادة  بفتح التاء والعين ، يعني تصعدون الجبل . وقرأ 
ابن محيصن  وشبل    " إذ يصعدون ولا يلوون " بالياء فيهما . وقرأ 
الحسن    " تلون " بواو واحدة . وروى 
أبو بكر بن عياش  عن 
عاصم    " ولا تلوون " بضم التاء ; وهي لغة شاذة ذكرها 
النحاس    . وقال 
أبو حاتم    : أصعدت إذا مضيت حيال وجهك ، وصعدت إذا ارتقيت في جبل أو غيره . فالإصعاد : السير في مستو من الأرض وبطون الأودية والشعاب . والصعود : الارتفاع على الجبال والسطوح والسلاليم والدرج . فيحتمل أن يكون صعودهم في الجبل بعد إصعادهم في الوادي ; فيصح المعنى على قراءة 
تصعدون و " تصعدون " . قال 
قتادة  والربيع    : أصعدوا يوم أحد في الوادي . وقراءة 
أبي    " إذ تصعدون في الوادي " . قال 
ابن عباس    : صعدوا في أحد فرارا . فكلتا القراءتين صواب ; كان يومئذ من المنهزمين مصعد وصاعد ، والله أعلم . قال 
القتبي   nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد    : أصعد إذا أبعد في الذهاب وأمعن فيه ; فكأن الإصعاد إبعاد في الأرض كإبعاد الارتفاع ; قال الشاعر : 
ألا أيهذا السائلي أين أصعدت فإن لها من بطن يثرب موعدا 
وقال الفراء : الإصعاد الابتداء في السفر ، والانحدار الرجوع منه ; يقال : أصعدنا من 
بغداد  إلى 
مكة  وإلى 
خراسان  وأشباه ذلك إذا خرجنا إليها وأخذنا في السفر ، وانحدرنا إذا رجعنا . وأنشد 
أبو عبيدة    : 
قد كنت تبكين على الإصعاد     فاليوم سرحت وصاح الحادي 
وقال 
المفضل    : صعد وأصعد وصعد بمعنى واحد . ومعنى 
تلوون تعرجون وتقيمون ، أي لا يلتفت بعضكم إلى بعض هربا ; فإن المعرج على الشيء يلوي إليه عنقه أو عنان دابته . على أحد يريد 
محمدا    - صلى الله عليه وسلم - ; قاله 
الكلبي    . 
والرسول يدعوكم في أخراكم أي في آخركم ; يقال : جاء فلان في آخر الناس وأخرة الناس وأخرى الناس وأخريات الناس . وفي 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  أخراكم تأنيث آخركم : حدثنا 
عمرو بن خالد  حدثنا 
زهير  حدثنا 
أبو إسحاق  قال : سمعت 
 nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831971جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرجالة يوم أحد   nindex.php?page=showalam&ids=4700عبد الله بن جبير  وأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم . ولم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - غير اثني عشر   [ ص: 227 ] رجلا   . قال 
ابن عباس  وغيره : 
كان دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أي عباد الله ارجعوا ) وكان دعاؤه تغييرا للمنكر ، ومحال أن يرى عليه السلام المنكر وهو الانهزام ثم لا ينهى عنه . قلت : هذا على أن يكون الانهزام معصية وليس كذلك ، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . 
قوله تعالى : 
فأثابكم غما بغم الغم في اللغة : التغطية . غممت الشيء غطيته . ويوم غم وليلة غمة إذا كانا مظلمين . ومنه غم الهلال إذا لم ير ، وغمني الأمر يغمني . قال 
مجاهد  وقتادة  وغيرهما : الغم الأول القتل والجراح ، والغم الثاني الإرجاف بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - ; إذ صاح به الشيطان . وقيل : الغم الأول ما فاتهم من الظفر والغنيمة ، والثاني ما أصابهم من القتل والهزيمة . وقيل : الغم الأول الهزيمة ، والثاني إشراف 
أبي سفيان  وخالد  عليهم في الجبل ; فلما نظر إليهم المسلمون غمهم ذلك ، وظنوا أنهم يميلون عليهم فيقتلونهم فأنساهم هذا ما نالهم ; فعند ذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( 
اللهم لا يعلن علينا   ) كما تقدم . والباء في بغم على هذا بمعنى على . وقيل : هي على بابها ، والمعنى أنهم غموا النبي - صلى الله عليه وسلم - بمخالفتهم إياه ، فأثابهم بذلك غمهم بمن أصيب منهم . وقال 
الحسن    : 
فأثابكم غما يوم 
أحد  بغم يوم 
بدر  للمشركين . وسمي الغم ثوابا كما سمي جزاء الذنب ذنبا . وقيل : وقفهم الله على ذنبهم فشغلوا بذلك عما أصابهم . 
قوله تعالى : 
لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون اللام متعلقة بقوله : 
ولقد عفا عنكم وقيل : هي متعلقة بقوله : 
فأثابكم غما بغم أي كان هذا الغم بعد الغم لكيلا تحزنوا على ما فات من الغنيمة ، ولا ما أصابكم من الهزيمة . والأول أحسن . و " ما " في قوله 
ما أصابكم في موضع خفض . وقيل : " لا " صلة . أي لكي تحزنوا على ما فاتكم وما أصابكم عقوبة لكم على مخالفتكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وهو مثل قوله : 
ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك   ; أي أن تسجد . وقوله 
لئلا يعلم أهل الكتاب أي ليعلم ، وهذا قول 
المفضل    . وقيل : أراد بقوله 
فأثابكم غما بغم أي توالت عليكم الغموم ، لكيلا تشتغلوا بعد هذا بالغنائم . 
والله خبير بما تعملون فيه معنى التحذير والوعيد .  
[ ص: 228 ]