[ ص: 230 ] قوله تعالى : 
إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم قوله تعالى : إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا هذه الجملة هي خبر 
إن الذين تولوا والمراد من تولى عن المشركين يوم 
أحد    ; عن 
عمر    - رضي الله عنه - وغيره . 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي    : يعني من هرب إلى 
المدينة  في وقت الهزيمة دون من صعد الجبل . وقيل : هي في قوم بأعيانهم تخلفوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت هزيمتهم ثلاثة أيام ثم انصرفوا . ومعنى 
استزلهم الشيطان استدعى زللهم بأن ذكرهم خطايا سلفت منهم ، فكرهوا الثبوت لئلا يقتلوا . وهو معنى 
ببعض ما كسبوا وقيل : 
استزلهم حملهم على الزلل ، وهو استفعل من الزلة وهي الخطيئة . وقيل : زل وأزل بمعنى واحد . ثم قيل : كرهوا القتال قبل إخلاص التوبة ، فإنما تولوا لهذا ، وهذا على القول الأول . وعلى الثاني بمعصيتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في تركهم المركز وميلهم إلى الغنيمة . وقال 
الحسن    : ما كسبوا قبولهم من إبليس ما وسوس إليهم . وقال 
الكلبي    : زين لهم الشيطان أعمالهم . وقيل : لم يكن الانهزام معصية ; لأنهم أرادوا التحصن 
بالمدينة  ، فيقطع العدو طمعه فيهم لما سمعوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل . ويجوز أن يقال : لم يسمعوا دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - للهول الذي كانوا فيه . ويجوز أن يقال : زاد عدد العدو على الضعف ; لأنهم كانوا سبعمائة والعدو ثلاثة آلاف . وعند هذا يجوز الانهزام ولكن الانهزام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطأ لا يجوز ، ولعلهم توهموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انحاز إلى الجبل أيضا . وأحسنها الأول . وعلى الجملة فإن حمل الأمر على ذنب محقق فقد عفا الله عنه ، وإن حمل على انهزام مسوغ فالآية فيمن أبعد في الهزيمة وزاد على القدر المسوغ . وذكر 
 nindex.php?page=showalam&ids=11903أبو الليث السمرقندي نصر بن محمد بن إبراهيم  قال : حدثنا 
الخليل بن أحمد  قال حدثنا 
السراج  قال حدثنا 
قتيبة  قال حدثنا 
أبو بكر بن غيلان  عن 
جرير    : أن 
عثمان  كان بينه وبين 
عبد الرحمن بن عوف  كلام ، فقال له 
عبد الرحمن بن عوف    : أتسبني وقد شهدت 
بدرا  ولم تشهد ، وقد بايعت تحت الشجرة ولم تبايع ، وقد كنت تولى مع من تولى يوم الجمع ، يعني يوم 
أحد    . فرد عليه 
عثمان  فقال : أما قولك : أنا شهدت 
بدرا  ولم تشهد ، فإني لم أغب عن شيء شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت مريضة وكنت معها أمرضها ، فضرب لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهما في سهام المسلمين ، وأما بيعة الشجرة فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثني ربيئة على المشركين 
بمكة    - الربيئة هو الناظر - فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمينه على شماله فقال : ( هذه 
لعثمان    ) فيمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -   
[ ص: 231 ] وشماله خير لي من يميني وشمالي . وأما يوم الجمع فقال الله عنهم 
ولقد عفا الله عنهم فكنت فيمن عفا الله عنهم . فحج 
عثمان عبد الرحمن    . 
قلت : وهذا المعنى صحيح أيضا عن 
ابن عمر  ، كما في صحيح 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  قال : حدثنا 
عبدان  أخبرنا 
أبو حمزة  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13585عثمان بن موهب  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831973جاء رجل حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال : من هؤلاء القعود ؟ قالوا : هؤلاء قريش    . قال : من الشيخ ؟ قالوا : ابن عمر    ; فأتاه فقال : إني سائلك عن شيء أتحدثني ؟ قال : أنشدك بحرمة هذا البيت ، أتعلم أن عثمان بن عفان  فر يوم أحد  ؟ قال : نعم . قال : فتعلمه تغيب عن بدر  فلم يشهدها ؟ قال : نعم . قال : فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها ؟ قال نعم . قال : فكبر . قال ابن عمر    : تعال لأخبرك ولأبين لك عما سألتني عنه ; أما فراره يوم أحد  فأشهد أن الله عفا عنه . وأما تغيبه عن بدر  فإنه كان تحته بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت مريضة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا  وسهمه ) . وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فإنه لو كان أحد أعز ببطن مكة  من عثمان بن عفان  لبعثه مكانه ، فبعث عثمان  وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان  إلى مكة    ; فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده اليمنى : ( هذه يد عثمان    ) فضرب بها على يده فقال : ( هذه لعثمان    ) . اذهب بهذا الآن معك   . 
قلت : ونظير هذه الآية توبة الله على 
آدم  عليه السلام . وقوله عليه السلام : ( فحج 
آدم  موسى    ) أي غلبه بالحجة ; وذلك أن 
موسى  عليه السلام أراد توبيخ 
آدم  ولومه في إخراج نفسه وذريته من الجنة بسبب أكله من الشجرة ; فقال له 
آدم    : ( أفتلومني على أمر قدره الله تعالى علي قبل أن أخلق بأربعين سنة تاب علي منه ومن تاب عليه فلا ذنب له ومن لا ذنب له لا يتوجه عليه لوم ) . وكذلك من عفا الله عنه . وإنما كان هذا لإخباره تعالى بذلك ، وخبره صدق . وغيرهما من المذنبين التائبين يرجون رحمته ويخافون عذابه ، فهم على وجل وخوف ألا تقبل توبتهم ، وإن قبلت فالخوف أغلب عليهم إذ لا علم لهم بذلك . فاعلم .  
[ ص: 232 ]