قوله تعالى : 
فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا 
قوله تعالى : 
فقاتل في سبيل الله هذه الفاء متعلقة بقوله 
ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما فقاتل في سبيل الله أي من أجل هذا فقاتل . وقيل : هي متعلقة بقوله : 
وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله   . فقاتل . كأن هذا المعنى : لا تدع جهاد العدو والاستنصار عليهم للمستضعفين من المؤمنين ولو وحدك ؛ لأنه وعده بالنصر . قال 
الزجاج    : أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهاد وإن قاتل وحده ؛ لأنه قد ضمن له النصرة . قال 
ابن عطية    : " هذا ظاهر اللفظ ، إلا أنه لم يجئ في خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة مدة ما ؛ فالمعنى والله أعلم أنه خطاب له في اللفظ ، وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه ؛ أي أنت يا 
محمد  وكل واحد من أمتك القول له ؛ 
فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك   . ولهذا 
ينبغي لكل مؤمن أن يجاهد ولو وحده ؛ ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=832660والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي   . وقول 
أبي بكر  وقت الردة : ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي   . وقيل : إن هذه الآية نزلت في موسم 
بدر  الصغرى ؛ فإن 
أبا سفيان  لما انصرف من 
أحد  واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم موسم 
بدر  الصغرى ؛ فلما جاء الميعاد خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين راكبا فلم يحضر 
أبو سفيان  ولم يتفق قتال . وهذا على معنى ما قاله 
مجاهد  كما تقدم في " آل عمران " . ووجه النظم على هذا والاتصال بما قبل أنه وصف المنافقين بالتخليط وإيقاع   
[ ص: 253 ] الأراجيف ، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنهم وبالجد في القتال في سبيل الله وإن لم يساعده أحد على ذلك . 
قوله تعالى : 
لا تكلف إلا نفسك   ( تكلف ) مرفوع لأنه مستقبل ، ولم يجزم لأنه ليس علة للأول . وزعم 
الأخفش  أنه يجوز جزمه . " إلا نفسك " خبر ما لم يسم فاعله ؛ والمعنى لا تلزم فعل غيرك ولا تؤاخذ به . 
قوله تعالى : وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا فيه ثلاث مسائل : 
الأولى : قوله تعالى : 
وحرض المؤمنين أي حضهم على الجهاد والقتال . يقال : حرضت فلانا على كذا إذا أمرته به . وحارض فلان على الأمر وأكب وواظب بمعنى واحد . 
الثانية : قوله تعالى : 
عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا إطماع ، والإطماع من الله عز وجل واجب . على أن الطمع قد جاء في كلام العرب على الوجوب ؛ ومنه قوله تعالى : 
والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين   . وقال 
ابن مقبل    : 
ظني بهم كعسى وهم بتنوفة يتنازعون جوائز الأمثال 
قوله تعالى : 
والله أشد بأسا أي صولة وأعظم سلطانا وأقدر بأسا على ما يريده . وأشد تنكيلا أي عقوبة ؛ عن 
الحسن  وغيره . قال 
ابن دريد    : رماه الله بنكلة ، أي رماه بما ينكله . قال : ونكلت بالرجل تنكيلا من النكال . والمنكل الشيء الذي ينكل بالإنسان . قال : 
وارم على أقفائهم بمنكل     بصخرة أو عرض جيش جحفل 
الثالثة : إن قال قائل : نحن نرى الكفار في بأس وشدة ، وقلتم : إن عسى بمعنى اليقين فأين ذلك الوعد ؟ قيل له : قد وجد هذا الوعد ولا يلزم وجوده على الاستمرار والدوام فمتى وجد ولو لحظة مثلا فقد صدق الوعد ؛ فكف الله بأس المشركين 
ببدر  الصغرى ، وأخلفوا ما كانوا عاهدوه من الحرب والقتال 
وكفى الله المؤمنين القتال وبالحديبية  أيضا عما راموه من الغدر وانتهاز الفرصة ، ففطن بهم المسلمون فخرجوا فأخذوهم أسرى ، وكان ذلك والسفراء يمشون بينهم في الصلح ، وهو المراد بقوله تعالى : 
وهو الذي كف أيديهم عنكم على ما يأتي . وقد ألقى الله في قلوب الأحزاب الرعب وانصرفوا من غير قتل ولا قتال ؛ كما قال تعالى   
[ ص: 254 ] وكفى الله المؤمنين القتال   . وخرج 
اليهود  من ديارهم وأموالهم بغير قتال المؤمنين لهم ، فهذا كله بأس قد كفه الله عن المؤمنين ، مع أنه قد دخل من 
اليهود  والنصارى  العدد الكثير والجم الغفير تحت الجزية صاغرين وتركوا المحاربة داخرين ، فكف الله بأسهم عن المؤمنين . والحمد لله رب العالمين .