1. الرئيسية
  2. تفسير القرطبي
  3. سورة الفاتحة
  4. الباب الرابع فيما تضمنته الفاتحة من المعاني والقراءات والإعراب وفضل الحامدين
صفحة جزء
الحادية عشر : قوله تعالى : العالمين اختلف أهل التأويل في العالمين اختلافا كثيرا ; فقال قتادة : العالمون جمع عالم ، وهو كل موجود سوى الله تعالى ، ولا واحد له من لفظه مثل رهط وقوم . وقيل : أهل كل زمان عالم ; قاله الحسين بن الفضل ، لقوله تعالى : أتأتون الذكران من العالمين أي من الناس . وقال العجاج :

فخندف هامة هذا العألم وقال جرير بن الخطفى :


تنصفه البرية وهو سام ويضحي العالمون له عيالا



وقال ابن عباس : العالمون الجن والإنس ; دليله قوله تعالى : ليكون للعالمين نذيرا ولم يكن نذيرا للبهائم . وقال الفراء وأبو عبيدة : العالم عبارة عمن يعقل ; وهم أربعة أمم : الإنس والجن والملائكة والشياطين . ولا يقال للبهائم : عالم ، لأن هذا الجمع إنما هو جمع من يعقل خاصة .

[ ص: 136 ] قال الأعشى :

ما إن سمعت بمثلهم في العالمينا

وقال زيد بن أسلم : هم المرتزقون ; ونحوه قول أبي عمرو بن العلاء : هم الروحانيون . وهو معنى قول ابن عباس أيضا : كل ذي روح دب على وجه الأرض . وقال وهب بن منبه : إن لله عز وجل ثمانية عشر ألف عالم ; الدنيا عالم منها . وقال أبو سعيد الخدري : إن لله أربعين ألف عالم ; الدنيا من شرقها إلى غربها عالم واحد . وقال مقاتل : العالمون ثمانون ألف عالم ، أربعون ألف عالم في البر ، وأربعون ألف عالم في البحر . وروى الربيع بن أنس عن أبي العالية قال : الجن عالم ، والإنس عالم ; وسوى ذلك للأرض أربع زوايا في كل زاوية ألف وخمسمائة عالم ، خلقهم لعبادته .

قلت : والقول الأول أصح هذه الأقوال ; لأنه شامل لكل مخلوق وموجود ; دليله قوله تعالى : قال فرعون وما رب العالمين . قال رب السماوات والأرض وما بينهما ثم هو مأخوذ من العلم والعلامة ; لأنه يدل على موجده . كذا قال الزجاج قال : العالم كل ما خلقه الله في الدنيا والآخرة . وقال الخليل : العلم والعلامة والمعلم : ما دل على الشيء ; فالعالم دال على أن له خالقا ومدبرا ، وهذا واضح . وقد ذكر أن رجلا قال بين يدي الجنيد : الحمد لله ; فقال له : أتمها كما قال الله ، قل : رب العالمين ; فقال الرجل : ومن العالمين حتى تذكر مع الحق ؟ قال : قل يا أخي ؟ فإن المحدث إذا قرن مع القديم لا يبقى له أثر .

التالي السابق


الخدمات العلمية