قوله تعالى : 
لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما  [ ص: 327 ] أراد ما تفاوض به قوم 
بني أبيرق  من التدبير ، وذكروه للنبي صلى الله عليه وسلم . والنجوى : السر بين الاثنين ، تقول : ناجيت فلانا مناجاة ونجاء وهم ينتجون ويتناجون . ونجوت فلانا أنجوه نجوا ، أي ناجيته ، فنجوى مشتقة من نجوت الشيء أنجوه ، أي خلصته وأفردته ، والنجوة من الأرض المرتفع لانفراده بارتفاعه عما حوله ، قال الشاعر : 
فمن بنجوته كمن بعقوته والمستكين كمن يمشي بقرواح 
فالنجوى المسارة ، مصدر ، وقد تسمى به الجماعة ، كما يقال : قوم عدل ورضا . قال الله تعالى : 
وإذ هم نجوى فعلى الأول يكون الأمر أمر استثناء من غير الجنس . وهو الاستثناء المنقطع . وقد تقدم ، وتكون " من " في موضع رفع ، أي : لكن من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ودعا إليه ففي نجواه خير . ويجوز أن تكون " من " في موضع خفض ويكون التقدير : لا خير في كثير من نجواهم إلا نجوى من أمر بصدقة ثم حذف . وعلى الثاني وهو أن يكون النجوى اسما للجماعة المنفردين ، فتكون " من " في موضع خفض على البدل ، أي لا خير في كثير من نجواهم إلا فيمن أمر بصدقة . أو تكون في موضع نصب على قول من قال : ما مررت بأحد إلا زيدا . وقال بعض المفسرين منهم 
الزجاج    : النجوى كلام الجماعة المنفردة أو الاثنين كان ذلك سرا أو جهرا ، وفيه بعد . والله أعلم . والمعروف لفظ يعم أعمال البر كلها . وقال 
مقاتل    : المعروف هنا الفرض ، والأول أصح . وقال صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=832720كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق   . وقال صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=838834المعروف كاسمه وأول من يدخل الجنة يوم القيامة المعروف وأهله   . وقال 
علي بن أبي طالب  رضي الله عنه : لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره ، فقد يشكر الشاكر بأضعاف جحود الكافر   . وقال 
الحطيئة    : 
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه     لا يذهب العرف بين الله والناس 
وأنشد 
الرياشي    : 
يد المعروف غنم حيث كانت     تحملها كفور أو شكور 
ففي شكر الشكور لها جزاء     وعند الله ما كفر الكفور 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي    : " فينبغي لمن يقدر على إسداء المعروف أن يعجله حذار فواته ، ويبادر   
[ ص: 328 ] به خيفة عجزه ، وليعلم أنه من فرص زمانه ، وغنائم إمكانه ، ولا يهمله ثقة بالقدرة عليه ، فكم من واثق بالقدرة فاتت فأعقبت ندما ، ومعول على مكنة زالت فأورثت خجلا ، كما قال الشاعر : 
ما زلت أسمع كم من واثق خجل     حتى ابتليت فكنت الواثق الخجلا 
ولو فطن لنوائب دهره ، وتحفظ من عواقب أمره لكانت مغانمه مذخورة ، ومغارمه مجبورة ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : 
من فتح عليه باب من الخير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه   . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : 
لكل شيء ثمرة وثمرة المعروف السراح   . وقيل 
لأنوشروان    : ما أعظم المصائب عندكم ؟ قال : أن تقدر على المعروف فلا تصطنعه حتى يفوت . وقال 
عبد الحميد    : من أخر الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها . وقال بعض الشعراء : 
إذا هبت رياحك فاغتنمها     فإن لكل خافقة سكون 
ولا تغفل عن الإحسان فيها     فما تدري السكون متى يكون 
وكتب بعض ذوي الحرمات إلى وال قصر في رعاية حرمته : 
أعلى الصراط تريد رعية حرمتي     أم في الحساب تمن بالإنعام 
للنفع في الدنيا أريدك ، فانتبه     لحوائجي من رقدة النوام 
وقال 
العباس  رضي الله عنه : لا يتم المعروف إلا بثلاث خصال : تعجيله وتصغيره وستره ، فإذا عجلته هنأته ، وإذا صغرته عظمته ، وإذا سترته أتممته   . وقال بعض الشعراء : 
زاد معروفك عندي عظما     أنه عندك مستور حقير 
تتناساه كأن لم تأته     وهو عند الناس مشهور خطير 
ومن شرط المعروف ترك الامتنان به ، وترك الإعجاب بفعله ، لما فيهما من إسقاط الشكر وإحباط الأجر . وقد تقدم في " البقرة " بيانه . 
قوله تعالى : 
أو إصلاح بين الناس عام في الدماء والأموال والأعراض ، وفي كل شيء يقع التداعي والاختلاف فيه بين المسلمين ، وفي كل كلام يراد به وجه الله تعالى . وفي الخبر : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=832721كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا ما كان من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر لله تعالى   ) . فأما من طلب الرياء والترؤس فلا ينال الثواب . وكتب 
عمر  إلى 
 nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري  رضي الله عنه : رد الخصوم حتى يصطلحوا ، فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن   . وسيأتي   
[ ص: 329 ] في " المجادلة " ما يحرم من المناجاة وما يجوز إن شاء الله تعالى . وعن 
أنس بن مالك  رضي الله عنه أنه قال ، : من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة   . وقال النبي صلى الله عليه وسلم 
لأبي أيوب    : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500096ألا أدلك على صدقة يحبها الله ورسوله ، تصلح بين أناس إذا تفاسدوا ، وتقرب بينهم إذا تباعدوا   . وقال 
الأوزاعي    : ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين ، ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار   . وقال 
محمد بن المنكدر    : 
تنازع رجلان في ناحية المسجد فملت إليهما ، فلم أزل بهما حتى اصطلحا ؛ فقال  nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة  وهو يراني : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أصلح بين اثنين استوجب ثواب شهيد   . ذكر هذه الأخبار 
أبو مطيع مكحول بن المفضل النسفي  في كتاب اللؤلئيات له ، وجدته بخط المصنف في وريقة ولم ينبه على موضعها رضي الله عنه . و " ابتغاء " نصب على المفعول من أجله .