قوله تعالى : 
وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون  [ ص: 262 ] قوله تعالى : وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا الآية . تقدم معناها والكلام عليها في " البقرة " فلا معنى لإعادتها . 
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون فيه أربع مسائل : 
الأولى : قال علماؤنا : وجه اتصال هذه الآية بما قبلها التحذير مما يجب أن يحذر منه ، وهو حال من تقدمت صفته ممن ركن في دينه إلى تقليد آبائه وأسلافه ، وظاهر هذه الآية يدل على أن 
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس القيام به بواجب إذا استقام الإنسان ، وأنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ، لولا ما ورد من تفسيرها في السنة وأقاول الصحابة والتابعين على ما نذكره بحول الله تعالى . 
الثانية : قوله تعالى : 
عليكم أنفسكم معناه احفظوا أنفسكم من المعاصي ; تقول عليك زيدا بمعنى الزم زيدا ; ولا يجوز عليه زيدا ، بل إنما يجري هذا في المخاطبة في ثلاثة ألفاظ ; عليك زيدا أي : خذ زيدا ، وعندك عمرا أي : حضرك ، ودونك زيدا أي : قرب منك ; وأنشد : 
يا أيها المائح دلوي دونكا إني رأيت الناس يحمدونكا 
وأما قوله : عليه رجلا ليسني ، فشاذ . 
الثالثة : روى 
أبو داود   nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي  وغيرهما عن 
قيس  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=830704خطبنا أبو بكر الصديق  رضي الله عنه فقال : إنكم تقرءون هذه الآية وتتأولونها على غير تأويلها يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده . قال 
أبو عيسى    : هذا حديث حسن صحيح ; قال 
إسحاق بن إبراهيم  سمعت 
عمرو بن علي  يقول :   
[ ص: 263 ] سمعت 
 nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيعا  يقول : لا يصح عن 
أبي بكر  عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا حديث واحد ، قلت : ولا 
إسماعيل  عن 
قيس  ، قال : إن 
إسماعيل  روى عن 
قيس  موقوفا . قال 
النقاش    : وهذا إفراط من 
 nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع    ; رواه 
شعبة  عن 
سفيان  وإسحاق  عن 
إسماعيل  مرفوعا ; وروى 
أبو داود   nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي  وغيرهما عن 
أبي أمية الشعباني  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=830705أتيت أبا ثعلبة الخشني  فقلت له : كيف تصنع بهذه الآية ؟ فقال : أية آية ؟ قلت : قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم قال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة فإن من ورائكم أياما ، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم ، وفي رواية قيل : يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم ؟ قال : بل أجر خمسين منكم   . قال 
أبو عيسى    : هذا حديث حسن غريب . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر  قوله : ( بل منكم ) هذه اللفظة قد سكت عنها بعض الرواة فلم يذكرها ، وقد تقدم ، وروى 
الترمذي  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=830706إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك ثم يأتي زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا قال : هذا حديث غريب ، وروي عن 
ابن مسعود  أنه قال : ليس هذا بزمان هذه الآية ; قولوا الحق ما قبل منكم ، فإذا رد عليكم فعليكم أنفسكم ، 
وقيل  nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر  في بعض أوقات الفتن : لو تركت القول في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه ؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : ليبلغ الشاهد الغائب ونحن شهدنا فيلزمنا أن نبلغكم ، وسيأتي زمان إذا قيل فيه الحق لم يقبل   . في رواية عن 
ابن عمر  بعد قوله : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=830707ليبلغ الشاهد الغائب فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب ، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبل منهم ، وقال
ابن المبارك  قوله تعالى : 
عليكم أنفسكم خطاب لجميع المؤمنين ، أي : عليكم أهل دينكم ; كقوله تعالى : 
ولا تقتلوا أنفسكم فكأنه قال : ليأمر بعضكم بعضا ; ولينه بعضكم بعضا ، فهو دليل على وجوب 
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يضركم ضلال المشركين والمنافقين وأهل الكتاب ; وهذا لأن الأمر بالمعروف يجري مع المسلمين من أهل العصيان كما تقدم ; وروي معنى هذا عن 
سعيد بن جبير  وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب    : معنى الآية لا يضركم من ضل إذا اهتديتم بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقال 
ابن خويز منداد    : تضمنت الآية اشتغال الإنسان بخاصة نفسه ، وتركه التعرض لمعائب الناس ، والبحث عن أحوالهم فإنهم لا يسألون عن حاله فلا يسأل عن حالهم وهذا   
[ ص: 264 ] كقوله تعالى : 
كل نفس بما كسبت رهينة ، 
ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=839221كن جليس بيتك وعليك بخاصة نفسك ، ويجوز أن يكون أريد به الزمان الذي يتعذر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; فينكر بقلبه ، ويشتغل بإصلاح نفسه . 
قلت : قد جاء حديث غريب رواه 
ابن لهيعة    : قال حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15557بكر بن سوادة الجذامي  عن 
عقبة بن عامر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
إذا كان رأس مائتين فلا تأمر بمعروف ولا تنه عن منكر وعليك بخاصة نفسك   . قال علماؤنا : إنما قال عليه السلام ذلك لتغير الزمان ، وفساد الأحوال ، وقلة المعينين ، وقال 
جابر بن زيد    : معنى الآية : يا أيها الذين آمنوا من أبناء أولئك الذين بحروا البحيرة وسيبوا السوائب ; عليكم أنفسكم في الاستقامة على الدين ، لا يضركم ضلال الأسلاف إذا اهتديتم ; قال : وكان الرجل إذا أسلم قال له الكفار سفهت آباءك وضللتهم وفعلت وفعلت ; فأنزل الله الآية بسبب ذلك وقيل : الآية في أهل الأهواء الذين لا ينفعهم الوعظ ; فإذا علمت من قوم أنهم لا يقبلون ، بل يستخفون ويظهرون فاسكت عنهم ، وقيل : نزلت في الأسارى الذين عذبهم المشركون حتى ارتد بعضهم ، فقيل لمن بقي على الإسلام : عليكم أنفسكم لا يضركم ارتداد أصحابكم ، وقال 
سعيد بن جبير    : هي في أهل الكتاب - وقال 
مجاهد    : في 
اليهود  والنصارى  ومن كان مثلهم ; يذهبان إلى أن المعنى لا يضركم كفر أهل الكتاب إذا أدوا الجزية ، وقيل : هي منسوخة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; قاله 
المهدوي    . قال 
ابن عطية    : وهذا ضعيف ولا يعلم قائله . 
قلت : قد جاء عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12074أبي عبيد القاسم بن سلام  أنه قال : ليس في كتاب الله تعالى آية جمعت الناسخ والمنسوخ غير هذه الآية . قال غيره : الناسخ منها قوله : إذا اهتديتم والهدى هنا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والله أعلم . 
الرابعة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متعين متى رجي القبول ، أو رجي رد الظالم ولو بعنف ، ما لم يخف الآمر ضررا يلحقه في خاصته ، أو فتنة يدخلها على المسلمين ; إما بشق عصا ، وإما بضرر يلحق طائفة من الناس ; فإذا خيف هذا ف 
عليكم أنفسكم محكم واجب أن يوقف عنده ، ولا يشترط في الناهي أن يكون عدلا كما تقدم ; وعلى هذا جماعة أهل العلم فاعلمه .