قوله تعالى 
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون قوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها فيه ست مسائل : 
الأولى : أمر بإخلاص العبادة لله ، ومجانبة المشركين والملحدين . قال 
مقاتل  وغيره من المفسرين : نزلت الآية في رجل من المسلمين ، كان يقول في صلاته : يا رحمن يا رحيم . فقال رجل من مشركي 
مكة    : أليس يزعم 
محمد  وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا ، فما بال هذا يدعو ربين اثنين ؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى : ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . 
الثانية : جاء في كتاب 
الترمذي  وسنن 
ابن ماجه  وغيرهما حديث عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم نص فيه 
nindex.php?page=hadith&LINKID=836138إن لله تسعة وتسعين اسما الحديث ; في أحدهما ما ليس في الآخر . وقد بينا ذلك في " الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى " . قال 
ابن عطية    - وذكر حديث 
الترمذي    - وذلك الحديث ليس بالمتواتر ، وإن كان قد قال فيه 
أبو عيسى    : هذا حديث   
[ ص: 291 ] غريب لا نعرفه إلا من حديث 
صفوان بن صالح  ، وهو ثقة عند أهل الحديث . وإنما المتواتر منه قوله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=836138إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة   . ومعنى " أحصاها " عدها وحفظها . وقيل غير هذا مما بيناه في كتابنا . وذكرنا هناك تصحيح حديث 
الترمذي  ، وذكرنا من الأسماء ما اجتمع عليه وما اختلف فيه مما وقفنا عليه في كتب أئمتنا ما ينيف على مائتي اسم . وذكرنا قبل تعيينها في مقدمة الكتاب اثنين وثلاثين فصلا فيما يتعلق بأحكامها ، فمن أراده وقف عليه هناك وفي غيره من الكتب الموضوعة في هذا الباب . والله الموفق للصواب ، لا رب سواه . 
الثالثة : واختلف العلماء من هذا الباب في الاسم والمسمى ، وقد ذكرنا ما للعلماء من ذلك في " الكتاب الأسنى " . قال 
ابن الحصار    : وفي هذه الآية وقوع الاسم على المسمى ووقوعه على التسمية . فقوله : ولله وقع على المسمى ، وقوله : الأسماء وهو جمع اسم واقع على التسميات . يدل على صحة ما قلناه قوله : فادعوه بها ، والهاء في قوله : فادعوه تعود على المسمى سبحانه وتعالى ، فهو المدعو . والهاء في قوله بها تعود على الأسماء ، وهي التسميات التي يدعى بها لا بغيرها . هذا الذي يقتضيه لسان العرب . ومثل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=836139لي خمسة أسماء أنا محمد  وأحمد الحديث . وقد تقدم في " البقرة " شيء من هذا والذي يذهب إليه أهل الحق أن الاسم هو المسمى ، أو صفة له تتعلق به ، وأنه غير التسمية . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي  عند كلامه على قوله تعالى : 
ولله الأسماء الحسنى   : فيه ثلاثة أقوال . قال بعض علمائنا : في ذلك دليل على أن الاسم المسمى ; لأنه لو كان غيره   
[ ص: 292 ] لوجب أن تكون الأسماء لغير الله تعالى . الثاني : قال آخرون : المراد به التسميات ; لأنه سبحانه واحد والأسماء جمع . قلت : ذكر 
ابن عطية  في تفسيره أن الأسماء في الآية بمعنى التسميات إجماعا من المتأولين لا يجوز غيره . وقال 
القاضي أبو بكر  في كتاب التمهيد : 
وتأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=836140لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة أي أن له تسعة وتسعين تسمية بلا خلاف ، وهي عبارات عن كون الله تعالى على أوصاف شتى ، منها ما يستحقه لنفسه ومنها ما يستحقه لصفة تتعلق به ، وأسماؤه العائدة إلى نفسه هي هو ، وما تعلق بصفة له فهي أسماء له . ومنها صفات لذاته . ومنها صفات أفعال . وهذا هو تأويل قوله تعالى : 
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها أي التسميات الحسنى . الثالث : قال آخرون منهم : ولله الصفات . 
الرابعة : 
سمى الله سبحانه أسماءه بالحسنى ; لأنها حسنة في الأسماع والقلوب   ; فإنها تدل على توحيده وكرمه وجوده ورحمته وإفضاله . والحسنى مصدر وصف به . ويجوز أن يقدر الحسنى فعلى ، مؤنث الأحسن ; كالكبرى تأنيث الأكبر ، والجمع الكبر والحسن . وعلى الأول أفرد كما أفرد وصف ما لا يعقل ; كما قال تعالى : 
مآرب أخرى و 
يا جبال أوبي معه 
الخامسة : قوله تعالى : 
فادعوه بها أي اطلبوا منه بأسمائه ; فيطلب بكل اسم ما يليق به ، تقول : يا رحيم ارحمني ، يا حكيم احكم لي ، يا رازق ارزقني ، يا هاد اهدني ، يا فتاح افتح لي ، يا تواب تب علي ; هكذا . فإن دعوت باسم عام قلت : يا مالك ارحمني ، يا عزيز احكم لي ، يا لطيف ارزقني . وإن دعوت بالأعم الأعظم فقلت : يا ألله ; فهو متضمن لكل اسم . ولا تقول : يا رزاق اهدني ; إلا أن تريد يا رزاق ارزقني الخير . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي    : وهكذا ، رتب دعاءك تكن من المخلصين . وقد تقدم في " البقرة " شرائط الدعاء ، وفي هذه السورة أيضا . والحمد لله . 
السادسة : أدخل القاضي 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي  عدة من الأسماء في أسمائه سبحانه ، مثل : متم نوره ، وخير الوارثين ، وخير الماكرين ، ورابع ثلاثة ، وسادس خمسة ، والطيب ، والمعلم ; وأمثال ذلك . قال 
ابن الحصار    : واقتدى في ذلك 
بابن برجان  ، إذ ذكر في الأسماء " النظيف " وغير ذلك مما لم يرد في كتاب ولا سنة . 
قلت : أما ما ذكر من قوله : " مما لم يرد في كتاب ولا سنة " فقد جاء في صحيح 
مسلم   [ ص: 293 ]   " الطيب " . وخرج 
الترمذي    " النظيف " . وخرج عن 
ابن عباس  nindex.php?page=hadith&LINKID=836141أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه رب أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي الحديث . وقال فيه : حديث حسن صحيح . فعلى هذا جائز أن 
يقال : يا خير الماكرين امكر لي ولا تمكر علي   . والله أعلم . 
وقد ذكرنا " الطيب والنظيف " في كتابنا وغيره مما جاء ذكره في الأخبار ، وعن السلف الأخيار ، وما يجوز أن يسمى به ويدعى ، وما يجوز أن يسمى به ولا يدعى ، وما لا يجوز أن يسمى به ولا يدعى . حسب ما ذكره الشيخ 
 nindex.php?page=showalam&ids=13711أبو الحسن الأشعري    . وهناك يتبين لك ذلك إن شاء الله تعالى . 
قوله تعالى 
وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون فيه مسألتان : 
الأولى قوله تعالى : يلحدون الإلحاد : الميل وترك القصد ; يقال : ألحد الرجل في الدين . وألحد إذا مال . ومنه اللحد في القبر ; لأنه في ناحيته . وقرئ ( يلحدون ) لغتان والإلحاد يكون بثلاثة أوجه أحدها : بالتغيير فيها كما فعله المشركون ، وذلك أنهم عدلوا بها عما هي عليه فسموا بها أوثانهم ; فاشتقوا اللات من الله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان قاله 
ابن عباس  وقتادة    . الثاني : بالزيادة فيها . الثالث : بالنقصان منها ; كما يفعله الجهال الذين يخترعون أدعية يسمون فيها الله تعالى بغير أسمائه ، ويذكرون بغير ما يذكر من أفعاله ; إلى غير   
[ ص: 294 ] ذلك مما لا يليق به . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي    : فحذار منها ، ولا يدعون أحدكم إلا بما في كتاب الله والكتب الخمسة ; وهي 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  ومسلم   nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي  وأبو داود   nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي    . فهذه الكتب التي يدور الإسلام عليها ، وقد دخل فيها ما في 
الموطأ  الذي هو أصل التصانيف ، وذروا ما سواها ، ولا يقولن أحدكم أختار دعاء كذا وكذا ; فإن الله قد اختار له وأرسل بذلك إلى الخلق رسوله صلى الله عليه وسلم . 
الثانية : معنى الزيادة في الأسماء التشبيه ، والنقصان التعطيل . فإن المشبهة وصفوه بما لم يأذن فيه ، والمعطلة سلبوه ما اتصف به ، ولذلك قال أهل الحق : إن ديننا طريق بين طريقين ، لا بتشبيه ولا بتعطيل . وسئل الشيخ 
أبو الحسن البوشنجي  عن التوحيد فقال : إثبات ذات غير مشبهة بالذوات ، ولا معطلة من الصفات . وقد قيل في قوله تعالى : 
وذروا الذين يلحدون معناه اتركوهم ولا تحاجوهم ولا تعرضوا لهم . فالآية على هذا منسوخة بالقتال ; قاله 
ابن زيد    . وقيل : معناه الوعيد ; كقوله تعالى : 
ذرني ومن خلقت وحيدا وقوله : 
ذرهم يأكلوا ويتمتعوا   . وهو الظاهر من الآية ; لقوله تعالى : 
سيجزون ما كانوا يعملون   . والله أعلم .