صفحة جزء
السابعة عشرة : على خمسة أقوال :

أحدها : أن الجلوس فرض والتشهد فرض والسلام فرض . وممن قال ذلك الشافعي وأحمد بن حنبل في رواية ، وحكاه أبو مصعب في مختصره عن مالك وأهل المدينة ، وبه قال داود . قال الشافعي : من ترك التشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلا إعادة عليه وعليه سجدتا السهو لتركه . وإذا ترك التشهد الأخير ساهيا أو عامدا أعاد . واحتجوا بأن بيان النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فرض ; لأن أصل فرضها مجمل يفتقر إلى البيان إلا ما خرج بدليل ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي .

القول الثاني : أن الجلوس والتشهد والسلام ليس بواجب ، وإنما ذلك كله سنة مسنونة ، هذا قول بعض البصريين ، وإليه ذهب إبراهيم بن علية ، وصرح بقياس الجلسة الأخيرة على الأولى ، فخالف الجمهور وشذ ، إلا أنه يرى الإعادة على من ترك شيئا من ذلك كله . ومن حجتهم حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا رفع الإمام رأسه من آخر سجدة في صلاته ثم أحدث فقد تمت صلاته وهو حديث لا يصح على ما قاله أبو عمر ، وقد بيناه في كتاب المقتبس . وهذا اللفظ إنما يسقط السلام لا الجلوس .

القول الثالث : إن الجلوس مقدار التشهد فرض ، وليس التشهد ولا السلام بواجب فرضا . قاله أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين . واحتجوا بحديث ابن المبارك عن الإفريقي عبد الرحمن بن زياد وهو ضعيف ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا جلس أحدكم في آخر [ ص: 170 ] صلاته فأحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته . قال ابن العربي : وكان شيخنا فخر الإسلام ينشدنا في الدرس :


ويرى الخروج من الصلاة بضرطة أين الضراط من السلام عليكم



قال ابن العربي : وسلك بعض علمائنا من هذه المسألة فرعين ضعيفين ، أما أحدهما : فروى عبد الملك عن عبد الملك أن من سلم من ركعتين متلاعبا ، فخرج البيان أنه إن كان على أربع أنه يجزئه ، وهذا مذهب أهل العراق بعينه . وأما الثاني : فوقع في الكتب المنبوذة أن الإمام إذا أحدث بعد التشهد متعمدا وقبل السلام أنه يجزئ من خلفه ، وهذا مما لا ينبغي أن يلتفت إليه في الفتوى ، وإن عمرت به المجالس للذكرى .

القول الرابع : أن الجلوس فرض والسلام فرض ، وليس التشهد بواجب . وممن قال هذا مالك بن أنس وأصحابه وأحمد بن حنبل في رواية . واحتجوا بأن قالوا : ليس شيء من الذكر يجب إلا تكبيرة الإحرام وقراءة أم القرآن .

القول الخامس : أن التشهد والجلوس واجبان ، وليس السلام بواجب ، قاله جماعة منهم إسحاق بن راهويه ، واحتج إسحاق بحديث ابن مسعود حين علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وقال له : إذا فرغت من هذا فقد تمت صلاتك وقضيت ما عليك . قال الدارقطني : قوله إذا فرغت من هذا فقد تمت صلاتك أدرجه بعضهم عن زهير في الحديث ، ووصله بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وفصله شبابة عن زهير وجعله من كلام ابن مسعود ، وقوله أشبه بالصواب من قول من أدرجه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم . وشبابة ثقة . وقد تابعه غسان بن الربيع على ذلك ، جعل آخر الحديث من كلام ابن مسعود ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 171 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية