صفحة جزء
[ قوله تعالى وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم قوله تعالى وجاء المعذرون من الأعراب قرأ الأعرج والضحاك " المعذرون " [ ص: 148 ] مخففا . ورواها أبو كريب عن أبي بكر عن عاصم ، ورواها أصحاب القراءات عن ابن عباس . قال الجوهري : وكان ابن عباس يقرأ " وجاء المعذرون " مخففة ، من أعذر . ويقول : والله لهكذا أنزلت . قال النحاس : إلا أن مدارها عن الكلبي ، وهي من أعذر ; ومنه قد أعذر من أنذر ; أي قد بالغ في العذر من تقدم إليك فأنذرك . وأما ( المعذرون ) بالتشديد ففيه قولان : أحدهما أنه يكون المحق ; فهو في المعنى المعتذر ؛ لأن له عذرا . فيكون ( المعذرون ) على هذه أصله المعتذرون ، ولكن التاء قلبت ذالا فأدغمت فيها وجعلت حركتها على العين ; كما قرئ ( يخصمون ) بفتح الخاء . ويجوز " المعذرون " بكسر العين لاجتماع الساكنين . ويجوز ضمها اتباعا للميم . ذكره الجوهري والنحاس . إلا أن النحاس حكاه عن الأخفش والفراء وأبي حاتم وأبي عبيد . ويجوز أن يكون الأصل المعتذرون ، ثم أدغمت التاء في الذال ; ويكونون الذين لهم عذر . قال لبيد :


إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

والقول الآخر : أن المعذر قد يكون غير محق ، وهو الذي يعتذر ولا عذر له . قال الجوهري : فهو المعذر على جهة المفعل ; لأنه الممرض والمقصر يعتذر بغير عذر . قال غيره : يقال عذر فلان في أمر كذا تعذيرا ; أي قصر ولم يبالغ فيه . والمعنى أنهم اعتذروا بالكذب . قال الجوهري : وكان ابن عباس يقول : لعن الله المعذرين . كأن الأمر عنده أن المعذر بالتشديد هو المظهر للعذر ، اعتلالا من غير حقيقة له في العذر . النحاس : قال أبو العباس محمد بن يزيد ولا يجوز أن يكون الأصل فيه المعتذرين ، ولا يجوز الإدغام فيقع اللبس . ذكر إسماعيل بن إسحاق أن الإدغام مجتنب على قول الخليل وسيبويه ، بعد أن كان سياق الكلام يدل على أنهم مذمومون لا عذر لهم ، قال : لأنهم جاءوا ليؤذن لهم ولو كانوا من الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون لم يحتاجوا أن يستأذنوا . قال النحاس : وأصل المعذرة والإعذار والتعذير من شيء واحد وهو مما يصعب ويتعذر . وقول العرب : من عذيري من فلان ، معناه قد أتى أمرا عظيما يستحق أن أعاقبه عليه ولم يعلم الناس به ; فمن يعذرني إن عاقبته . فعلى قراءة التخفيف قال ابن عباس : هم الذين تخلفوا بعذر فأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : هم رهط عامر بن الطفيل قالوا : يا رسول الله ، لو غزونا معك أغارت أعراب طيء على حلائلنا وأولادنا ومواشينا ; فعذرهم النبي صلى الله عليه وسلم . وعلى قراءة التشديد في القول الثاني ، هم قوم من غفار اعتذروا فلم يعذرهم النبي صلى الله عليه وسلم ; لعلمه أنهم غير محقين ، والله أعلم . وقعد قوم بغير [ ص: 149 ] عذر أظهروه جرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم الذين أخبر الله تعالى عنهم فقال : وقعد الذين كذبوا الله ورسوله والمراد بكذبهم قولهم : ( إنا مؤمنون ) . و ( ليؤذن ) نصب بلام كي .

التالي السابق


الخدمات العلمية