قوله تعالى : فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين 
قوله تعالى : 
فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز أي الممتنع . 
مسنا وأهلنا الضر هذه المرة الثالثة من عودهم إلى 
مصر    ; وفي الكلام حذف ، أي فخرجوا إلى 
مصر  ، فلما دخلوا على 
يوسف  قالوا : مسنا أي أصابنا 
وأهلنا الضر أي الجوع والحاجة ; وفي هذا دليل على 
جواز الشكوى عند الضر ، أي الجوع ; بل واجب عليه إذا خاف على نفسه الضر من الفقر وغيره أن يبدي حالته إلى من يرجو منه النفع ; كما هو واجب عليه أن يشكو ما به من الألم إلى الطبيب ليعالجه ; ولا يكون ذلك قدحا في التوكل ، وهذا ما لم يكن التشكي على سبيل التسخط ; والصبر والتجلد في النوائب أحسن ، والتعفف عن المسألة أفضل ; وأحسن الكلام في الشكوى سؤال المولى زوال البلوى ; وذلك قول 
يعقوب    : 
إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون أي من جميل صنعه ، وغريب لطفه ، وعائدته على عباده ; فأما الشكوى على غير مشك فهو السفه ، إلا أن يكون على وجه البث والتسلي ; كما قال 
ابن دريد    : 
لا تحسبن يا دهر أني ضارع لنكبة تعرقني عرق المدى     مارست ما لو هوت الأفلاك من 
جوانب الجو عليه ما شكا  [ ص: 221 ]     لكنها نفثة مصدور إذا 
جاش لغام من نواحيها غما 
قوله تعالى : 
وجئنا ببضاعة البضاعة القطعة من المال يقصد بها شراء شيء ; تقول : أبضعت الشيء واستبضعته أي جعلته بضاعة ; وفي المثل : كمستبضع التمر إلى هجر . 
قوله تعالى : " مزجاة " صفة لبضاعة ; والإزجاء السوق بدفع ; ومنه قوله تعالى : 
ألم تر أن الله يزجي سحابا والمعنى أنها بضاعة تدفع ; ولا يقبلها كل أحد . قال 
ثعلب    : البضاعة المزجاة الناقصة غير التامة . اختلف في تعيينها هنا ; فقيل : كانت قديدا وحيسا ; ذكره 
الواقدي  عن 
علي بن أبي طالب    - رضي الله عنه - . وقيل : خلق الغرائر والحبال ; روي عن 
ابن عباس    . وقيل : متاع الأعراب صوف وسمن ; قاله 
عبد الله بن الحارث    . وقيل : الحبة الخضراء والصنوبر وهو البطم ، حب شجر بالشام ; يؤكل ويعصر الزيت منه لعمل الصابون ، قاله 
أبو صالح    ; فباعوها بدراهم لا تنفق في الطعام ، وتنفق فيما بين الناس ; فقالوا : خذها منا بحساب جياد تنفق من الطعام . وقيل : دراهم رديئة ; قاله 
ابن عباس  أيضا . وقيل : ليس عليها صورة 
يوسف  ، وكانت دراهم 
مصر  عليهم صورة 
يوسف    . وقال 
الضحاك    : النعال والأدم ; وعنه : كانت سويقا منخلا . والله أعلم . 
قوله تعالى : 
فأوف لنا الكيل وتصدق فيه أربع مسائل : 
الأولى : قوله تعالى : 
فأوف لنا الكيل يريدون كما تبيع بالدراهم الجياد لا تنقصنا بمكان دراهمنا ; هذا قول أكثر المفسرين . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج    . 
فأوف لنا الكيل يريدون الكيل الذي كان قد كاله لأخيهم   . 
وتصدق علينا أي تفضل علينا بما بين سعر الجياد والرديئة . قاله 
سعيد بن جبير   nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي  والحسن    : لأن 
الصدقة تحرم على الأنبياء   . وقيل المعنى : 
تصدق علينا بالزيادة على حقنا ; قاله 
سفيان بن عيينة    . قال 
مجاهد    : ولم تحرم الصدقة إلا على نبينا 
محمد    - صلى الله عليه وسلم - . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج    : المعنى 
تصدق علينا برد أخينا إلينا . وقال 
ابن شجرة    : 
تصدق علينا تجوز عنا ; استشهد بقول الشاعر : 
تصدق علينا يا ابن عفان واحتسب     وأمر علينا الأشعري لياليا 
إن الله يجزي المتصدقين يعني في الآخرة ; يقال : هذا من معاريض الكلام ; لأنه   
[ ص: 222 ] لم يكن عندهم أنه على دينهم ، فلذلك لم يقولوا : إن الله يجزيك بصدقتك ، فقالوا لفظا يوهمه أنهم أرادوه ، وهم يصح لهم إخراجه بالتأويل ; قاله 
النقاش  وفي الحديث : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=835307إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب   ) . 
الثانية : استدل 
مالك  وغيره من العلماء على أن 
أجرة الكيال على البائع   ; قال 
ابن القاسم  وابن نافع  قال 
مالك    : قالوا 
ليوسف  فأوف لنا الكيل فكان 
يوسف  هو الذي يكيل ، وكذلك الوزان والعداد وغيرهم ، لأن الرجل إذا باع عدة معلومة من طعامه ، وأوجب العقد عليه ، وجب عليه أن يبرزها ويميز حق المشتري من حقه ، إلا أن يبيع منه معينا - صبرة أو ما لا حق توفية فيه - فخلى ما بينه وبينه ، فما جرى على المبيع فهو على المبتاع ; وليس كذلك ما فيه حق توفية من كيل أو وزن ، ألا ترى أنه لا يستحق البائع الثمن إلا بعد التوفية ، وإن تلف فهو منه قبل التوفية . 
الثالثة : وأما 
أجرة النقد فعلى البائع أيضا ; لأن المبتاع الدافع لدراهمه يقول : إنها طيبة ، فأنت الذي تدعي الرداءة فانظر لنفسك ; وأيضا فإن النفع يقع له فصار الأجر عليه ، وكذلك لا يجب على الذي يجب عليه القصاص ; لأنه لا يجب عليه أن يقطع يد نفسه ، إلا أن يمكن من ذلك طائعا ; ألا ترى أن فرضا عليه أن يفدي يده ، ويصالح عليه إذا طلب المقتص ذلك منه ، فأجر القطاع على المقتص . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  في المشهور عنه : إنها على المقتص منه كالبائع . 
الرابعة : يكره للرجل أن 
يقول في دعائه : اللهم تصدق علي   ; لأن الصدقة إنما تكون ممن يبتغي الثواب ، والله تعالى متفضل بالثواب بجميع النعم لا رب غيره ; وسمع 
الحسن  رجلا يقول : اللهم تصدق علي ; فقال 
الحسن    : يا هذا ! إن الله لا يتصدق إنما يتصدق من يبتغي الثواب ; أما سمعت قول الله تعالى : 
إن الله يجزي المتصدقين قل : اللهم أعطني وتفضل علي   .