قوله تعالى : فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا 
قوله تعالى : 
فإذا جاء وعد أولاهما أي أولى المرتين من فسادهم . 
بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد  [ ص: 195 ] هم 
أهل بابل ،  وكان عليهم 
بختنصر  في المرة الأولى حين كذبوا 
إرمياء  وجرحوه وحبسوه ; قاله 
ابن عباس  وغيره . وقال 
قتادة :  أرسل عليهم 
جالوت  فقتلهم ، فهو وقومه أولو بأس شديد . وقال 
مجاهد    : جاءهم جند من 
فارس  يتجسسون أخبارهم ومعهم 
بختنصر  فوعى حديثهم من بين أصحابه ، ثم رجعوا إلى 
فارس  ولم يكن قتال ، وهذا في المرة الأولى ، فكان منهم جوس خلال الديار لا قتل ; ذكره 
 nindex.php?page=showalam&ids=12851القشيري أبو نصر    . وذكر 
المهدوي  عن 
مجاهد  أنه جاءهم 
بختنصر  فهزمه 
بنو إسرائيل  ، ثم جاءهم ثانية فقتلهم ودمرهم تدميرا . ورواه 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد    ; ذكره 
النحاس    . وقال 
محمد بن إسحاق  في خبر فيه طول : إن المهزوم 
سنحاريب  ملك 
بابل  ، جاء ومعه ستمائة ألف راية تحت كل راية مائة ألف فارس فنزل حول 
بيت المقدس  فهزمه الله - تعالى - وأمات جميعهم إلا 
سنحاريب  وخمسة نفر من كتابه ، وبعث ملك 
بني إسرائيل  واسمه صديقة في طلب 
سنحاريب  فأخذ مع الخمسة ، أحدهم 
بختنصر  ، فطرح في رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين يوما حول 
بيت المقدس  وإيلياء  ويرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم ، ثم أطلقهم فرجعوا إلى 
بابل  ، ثم مات 
سنحاريب  بعد سبع سنين ، واستخلف 
بختنصر  وعظمت الأحداث في 
بني إسرائيل  ، واستحلوا المحارم وقتلوا نبيهم 
شعيا    ; فجاءهم 
بختنصر  ودخل هو وجنوده 
بيت المقدس  وقتل 
بني إسرائيل  حتى أفناهم . وقال 
ابن عباس   nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود    : أول الفساد قتل 
زكريا    . وقال 
ابن إسحاق    : فسادهم في المرة الأولى قتل 
شعيا  نبي الله في الشجرة ; وذلك أنه لما مات صديقة ملكهم مرج أمرهم وتنافسوا على الملك وقتل بعضهم بعضا وهم لا يسمعون من نبيهم ; فقال الله - تعالى - له قم في قومك أوح على لسانك ، فلما فرغ مما أوحى الله إليه عدوا عليه ليقتلوه فهرب فانفلقت له شجرة فدخل فيها ، وأدركه الشيطان فأخذ هدبة من ثوبه فأراهم إياها ، فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها . وذكر 
ابن إسحاق  أن بعض العلماء أخبره أن 
زكريا  مات موتا ولم يقتل وإنما المقتول 
شعيا    . وقال 
سعيد بن جبير  في قوله - تعالى - : ثم 
بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار هو 
سنحاريب   [ ص: 196 ] من 
أهل نينوى  بالموصل  ملك 
بابل .  وهذا خلاف ما قال 
ابن إسحاق  ، فالله أعلم . 
فجاسوا خلال الديار قيل : إنهم العمالقة وكانوا كفارا ، قاله 
الحسن    . ومعنى جاسوا : عاثوا وقتلوا ; وكذلك جاسوا وهاسوا وداسوا ، قاله 
ابن عزيز  ، وهو قول 
القتيبي    . وقرأ 
ابن عباس    : ( حاسوا ) بالحاء المهملة . قال 
أبو زيد    : الحوس والجوس والعوس والهوس : الطواف بالليل . وقال 
الجوهري    : الجوس مصدر قولك جاسوا خلال الديار ، أي تخللوها فطلبوا ما فيها كما يجوس الرجل الأخبار أي يطلبها ; وكذلك الاجتياس . والجوسان ( بالتحريك ) الطوفان بالليل ; وهو قول 
أبي عبيدة    . وقال 
الطبري    : طافوا بين الديار يطلبونهم ويقتلونهم ذاهبين وجائين ; فجمع بين قول أهل اللغة . قال 
ابن عباس    : مشوا وترددوا بين الدور والمساكن . وقال 
الفراء    : قتلوكم بين بيوتكم ; وأنشد لحسان : 
ومنا الذي لاقى بسيف محمد فجاس به الأعداء عرض العساكر 
وقال 
قطرب :  نزلوا ; قال : 
فجسنا ديارهم عنوة     وأبنا بسادتهم موثقينا 
وكان وعدا مفعولا أي قضاء كائنا لا خلف فيه .