[ ص: 259 ] قوله تعالى : 
واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا 
فيه ست مسائل : 
الأولى : قوله تعالى : واستفزز أي استزل واستخف . وأصله القطع ، ومنه تفزز الثوب إذا انقطع . والمعنى استزله بقطعك إياه عن الحق . واستفزه الخوف أي استخفه . وقعد مستوفزا أي غير مطمئن . واستفزز أمر تعجيز ، أي أنت لا تقدر على إضلال أحد ، وليس لك على أحد سلطان فافعل ما شئت . 
الثانية : بصوتك وصوته كل داع يدعو إلى معصية الله - تعالى - ; عن 
ابن عباس    . 
مجاهد    : الغناء والمزامير واللهو . 
الضحاك    : صوت المزمار . وكان 
آدم    - عليه السلام - أسكن أولاد 
هابيل  أعلى الجبل ، وولد 
قابيل  أسفله ، وفيهم بنات حسان ، فزمر اللعين فلم يتمالكوا أن انحدروا فزنوا ذكره 
الغزنوي    . وقيل : بصوتك بوسوستك . 
الثالثة : 
قوله تعالى : وأجلب عليهم بخيلك ورجلك أصل الإجلاب السوق بجلبة من السائق ; يقال : أجلب إجلابا . والجلب والجلبة : الأصوات ; تقول منه : جلبوا بالتشديد . وجلب الشيء يجلبه ويجلبه جلبا وجلبا . وجلبت الشيء إلى نفسي واجتلبته بمعنى . وأجلب على العدو إجلابا ; أي جمع عليهم . فالمعنى أجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك وقال أكثر المفسرين : يريد كل راكب وماش في معصية الله - تعالى - . وقال 
ابن عباس  ومجاهد  وقتادة    : إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس . فما كان من راكب وماش يقاتل في معصية الله فهو من خيل إبليس ورجالته . وروى 
سعيد بن جبير  ومجاهد  عن 
ابن عباس  قال : كل خيل سارت في معصية الله ، وكل رجل مشت في معصية الله ، وكل مال أصيب من حرام ، وكل ولد بغية فهو للشيطان . والرجل جمع راجل ; مثل صحب وصاحب . وقرأ 
حفص  ورجلك بكسر الجيم وهما لغتان ; يقال : رجل ورجل بمعنى راجل . وقرأ 
عكرمة  وقتادة    " ورجالك " على الجمع . 
الرابعة : 
وشاركهم في الأموال والأولاد أي اجعل لنفسك شركة في ذلك . فشركته في الأموال إنفاقها في معصية الله ; قاله 
الحسن    . وقيل : هي التي أصابوها من غير حلها ; قاله   
[ ص: 260 ] مجاهد    . 
ابن عباس    : ما كانوا يحرمونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . وقاله 
قتادة    . 
الضحاك    : ما كانوا يذبحونه لآلهتهم . والأولاد قيل : هم أولاد الزنا ، قاله 
مجاهد  والضحاك   nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس    . وعنه أيضا هو ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم من الجرائم . وعنه أيضا : هو تسميتهم عبد الحارث وعبد العزى وعبد اللات وعبد الشمس ونحوه . وقيل : هو صبغة أولادهم في الكفر حتى هودوهم ونصروهم ، كصنع 
النصارى  بأولادهم بالغمس في الماء الذي لهم ; قال 
قتادة    . وقول خامس - روي عن 
مجاهد  قال : إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع معه ، فذلك قوله - تعالى - : 
لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان وسيأتي   . وروى من حديث 
عائشة  قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=835529إن فيكم مغربين قلت : يا رسول الله ، وما المغربون ؟ قال : الذين يشترك فيهم الجن   . رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=14155الترمذي الحكيم  في نوادر الأصول . قال 
الهروي    : سموا مغربين لأنه دخل فيهم عرق غريب . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14155الترمذي الحكيم    : فللجن مساماة بابن آدم في الأمور والاختلاط ; فمنهم من يتزوج فيهم ، وكانت 
بلقيس  ملكة 
سبأ  أحد أبويها من الجن . وسيأتي بيانه إن شاء الله - تعالى - . 
الخامسة : قوله تعالى : وعدهم أي منهم الأماني الكاذبة ، وأنه لا قيامة ولا حساب ، وأنه إن كان حساب وجنة ونار فأنتم أولى بالجنة من غيركم . يقويه قوله - تعالى - : 
يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا أي باطلا . وقيل وعدهم أي عدهم النصرة على من أرادهم بسوء . وهذا الأمر للشيطان تهدد ووعيد له . وقيل : استخفاف به وبمن اتبعه . 
السادسة : في الآية ما يدل على 
تحريم المزامير والغناء واللهو   ; لقوله : 
واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم على قول 
مجاهد    . وما كان من صوت الشيطان أو فعله وما يستحسنه فواجب التنزه عنه . وروى 
نافع  nindex.php?page=hadith&LINKID=835530عن ابن عمر  أنه سمع صوت زمارة فوضع أصبعيه في أذنيه ، وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول : يا نافع ! أتسمع ؟ فأقول نعم ; فمضى حتى قلت له لا ، فوضع يديه وأعاد راحلته إلى الطريق وقال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع صوت زمارة راع فصنع مثل هذا   . قال علماؤنا : إذا كان هذا فعلهم في حق صوت لا يخرج عن الاعتدال ، فكيف بغناء أهل هذا الزمان وزمرهم . وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة [ لقمان ] إن شاء الله - تعالى - .