قوله تعالى : 
واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا قوله تعالى : 
واضرب لهم مثل الحياة الدنيا أي صف لهؤلاء المتكبرين الذين سألوك   
[ ص: 368 ] طرد فقراء المؤمنين مثل الحياة الدنيا ، أي شبهها . 
كماء أنزلناه من السماء فاختلط به أي بالماء . 
نبات الأرض حتى استوى . وقيل : إن النبات اختلط بعضه ببعض حين نزل عليه الماء ; لأن النبات إنما يختلط ويكثر بالمطر . وقد تقدم هذا المعنى في " يونس " مبينا . وقالت الحكماء : إنما شبه - تعالى - الدنيا بالماء لأن الماء لا يستقر في موضع ، كذلك الدنيا لا تبقى على واحد ، ولأن الماء لا يستقيم على حالة واحدة كذلك الدنيا ، ولأن الماء لا يبقى ويذهب كذلك الدنيا تفنى ، ولأن الماء لا يقدر أحد أن يدخله ولا يبتل كذلك الدنيا لا يسلم أحد دخلها من فتنتها وآفتها ، ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعا منبتا ، وإذا جاوز المقدار كان ضارا مهلكا ، وكذلك الدنيا الكفاف منها ينفع وفضولها يضر . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - 
قال له رجل : يا رسول الله ، إني أريد أن أكون من الفائزين ; قال : ذر الدنيا وخذ منها كالماء الراكد فإن القليل منها يكفي والكثير منها يطغي   . وفي صحيح 
مسلم  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=835608قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما أتاه   . 
فأصبح أي النبات . 
هشيما أي متكسرا من اليبس متفتتا ، يعني بانقطاع الماء عنه ، فحذف ذلك إيجازا لدلالة الكلام عليه . والهشم : كسر الشيء اليابس . والهشيم من النبات اليابس المتكسر ، والشجرة البالية يأخذها الحاطب كيف يشاء . ومنه قولهم : ما فلان إلا هشيمة كرم ; إذا كان سمحا . ورجل هشيم : ضعيف البدن . وتهشم عليه فلان إذا تعطف . واهتشم ما في ضرع الناقة إذا احتلبه . ويقال : هشم الثريد ; ومنه سمي 
هاشم بن عبد مناف  واسمه 
عمرو  ، وفيه يقول 
عبد الله بن الزبعرى    : 
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة  مسنتون عجاف 
وكان سبب ذلك أن 
قريشا  أصابتهم سنون ذهبن بالأموال فخرج 
هاشم  إلى 
الشام  فأمر بخبز كثير فخبز له ، فحمله في الغرائر على الإبل حتى وافى 
مكة  ، وهشم ذلك الخبز ، يعني كسره وثرده ، ونحر تلك الإبل ، ثم أمر الطهاة فطبخوا ، ثم كفأ القدور على الجفان فأشبع أهل 
مكة    ; فكان ذلك أول الحباء بعد السنة التي أصابتهم ; فسمي بذلك 
هاشما    . 
تذروه الرياح أي تفرقه ; قاله 
أبو عبيدة    . 
 nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة    : تنسفه . 
ابن كيسان    : تذهب به وتجيء . 
ابن عباس    : تديره ; والمعنى متقارب . وقرأ 
طلحة بن مصرف    " تذريه الريح " . قال 
الكسائي    : وفي قراءة   
[ ص: 369 ] عبد الله    " تذريه " . يقال : ذرته الريح تذروه ذروا و [ تذريه ] ذريا وأذرته تذريه إذراء إذا طارت به . وحكى 
الفراء    : أذريت الرجل عن فرسه أي قلبته . وأنشد 
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه  والفراء    : 
فقلت له صوب ولا تجهدنه     فيذرك من أخرى القطاة فتزلق 
قوله تعالى : 
وكان الله على كل شيء مقتدرا من الإنشاء والإفناء والإحياء ، سبحانه .