صفحة جزء
قوله : وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما

قوله تعالى : وعنت الوجوه أي ذلت وخضعت ؛ قاله ابن الأعرابي وغيره . ومنه قيل للأسير عان . قال أمية بن أبي الصلت :

[ ص: 161 ]

مليك على عرش السماء مهيمن لعزته تعنو الوجوه وتسجد



وقال أيضا :


وعنا له وجهي وخلقي كله     في الساجدين لوجهه مشكورا



قال الجوهري عنا يعنو خضع وذل وأعناه غيره ؛ ومنه قوله تعالى : وعنت الوجوه للحي القيوم . ويقال أيضا : عنا فيهم فلان أسيرا ؛ أي قام فيهم على إساره واحتبس . وعناه غيره تعنية حبسه . والعاني الأسير . وقوم عناة ونسوة عوان . وعنت أمور نزلت . وقال ابن عباس : عنت ذلت . وقال مجاهد : خشعت . الماوردي : والفرق بين الذل والخشوع - وإن تقارب معناهما - أن الذل أن يكون ذليل النفس ، والخشوع أن يتذلل لذي طاعة . وقال الكلبي عنت أي علمت . عطية العوفي : استسلمت . وقال طلق بن حبيب : إنه وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود . النحاس : وعنت الوجوه في معناه قولان : أحدهما : أن هذا في الآخرة . وروى عكرمة عن ابن عباس وعنت الوجوه للحي القيوم قال : الركوع والسجود ؛ ومعنى ( عنت ) في اللغة القهر والغلبة ؛ ومنه فتحت البلاد عنوة أي غلبة ؛ قال الشاعر [ كثير ] :


فما أخذوها عنوة عن مودة     ولكن ضرب المشرفي استقالها



وقيل : هو من العناء بمعنى التعب ؛ وكنى عن الناس بالوجوه ؛ لأن آثار الذل إنما تتبين في الوجه . للحي القيوم وفي القيوم ثلاث تأويلات ؛ أحدهما : أنه القائم بتدبير الخلق . الثاني : أنه القائم على كل نفس بما كسبت . الثالث : أنه الدائم الذي لا يزول ولا يبيد . وقد مضى في ( البقرة ) هذا وقد خاب من حمل ظلما أي خسر من حمل شركا .

قوله تعالى : ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن لأن العمل لا يقبل من غير إيمان . ومن في قوله : من الصالحات للتبعيض ؛ أي شيئا من الصالحات . وقيل للجنس . فلا يخاف قرأ ابن كثير ومجاهد وابن محيصن ( يخف ) بالجزم جوابا لقوله : ومن يعمل . الباقون ( يخاف ) رفعا على الخبر ؛ أي فهو لا يخاف ؛ أو فإنه لا يخاف . ظلما أي نقصا لثواب طاعته ، ولا زيادة عليه في سيئاته . ولا هضما بالانتقاص من حقه . والهضم النقص والكسر ؛ يقال : هضمت ذلك من حقي أي حططته وتركته . وهذا يهضم الطعام أي ينقص ثقله . وامرأة هضيم الكشح ضامرة البطن . الماوردي : والفرق بين الظلم [ ص: 162 ] والهضم أن الظلم المنع من الحق كله ، والهضم المنع من بعضه ، والهضم ظلم وإن افترقا من وجه ؛ قال المتوكل الليثي :


إن الأذلة واللئام لمعشر     مولاهم المتهضم المظلوم



قال الجوهري : ورجل هضيم ومهتضم أي مظلوم . وتهضمه أي ظلمه واهتضمه إذا ظلمه وكسر عليه حقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية