[ ص: 206 ] قوله تعالى : 
قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون 
قوله تعالى : 
قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين المعنى لما رجعوا من عيدهم ورأوا ما أحدث بآلهتهم ، قالوا على جهة البحث والإنكار : 
من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين   . وقيل : من ليس استفهاما ، بل هو ابتداء وخبره لمن الظالمين أي فاعل هذا ظالم . والأول أصح لقوله : 
سمعنا فتى يذكرهم وهذا هو جواب 
من فعل هذا   . والضمير في قالوا للقوم الضعفاء الذين سمعوا 
إبراهيم ،  أو الواحد على ما تقدم . ومعنى يذكرهم يعيبهم ويسبهم فلعله الذي صنع هذا . واختلف الناس في وجه رفع 
إبراهيم ؛  فقال 
الزجاج  يرتفع على معنى يقال له هو 
إبراهيم ؛  فيكون خبر مبتدأ محذوف ، والجملة محكية . قال : ويجوز أن يكون رفعا على النداء وضمه بناء ، وقام له مقام ما لم يسم فاعله . وقيل : رفعه على أنه مفعول ما لم يسم فاعله ؛ على أن يجعل 
إبراهيم  غير دال على الشخص ، بل يجعل النطق به دالا على بناء هذه اللفظة . أي يقال له هذا القول وهذا اللفظ ، كما تقول زيد وزن فعل ، أو زيد ثلاثة أحرف ، فلم تدل بوجه الشخص ، بل دللت بنطقك على نفس اللفظة . وعلى هذه الطريقة تقول : قلت 
إبراهيم ،  ويكون مفعولا صحيحا نزلته منزلة قول وكلام ؛ فلا يتعذر بعد ذلك أن يبنى الفعل فيه للمفعول . هذا اختيار 
ابن عطية  في رفعه . وقال الأستاذ 
أبو الحجاج الأشبيلي الأعلم    : هو رفع على الإهمال . قال 
ابن عطية    : لما رأى وجوه الرفع كأنها لا توضح المعنى الذي قصدوه ، ذهب إلى رفعه بغير شيء ، كما قد يرفع التجرد والعرو عن العوامل الابتداء . والفتى الشاب والفتاة الشابة . وقال 
ابن عباس    : ما أرسل الله نبيا إلا شابا   . ثم قرأ : 
سمعنا فتى يذكرهم   . 
قوله تعالى : 
قالوا فأتوا به على أعين الناس فيه مسألة واحدة ، وهي : 
أنه لما بلغ الخبر 
نمرود  وأشراف قومه ، كرهوا أن يأخذوه بغير بينة ، فقالوا : ائتوا به ظاهرا بمرأى من الناس حتى يروه لعلهم يشهدون عليه بما قال ؛ ليكون ذلك حجة عليه . وقيل : لعلهم يشهدون عقابه فلا يقدم أحد على مثل ما أقدم عليه . أو لعل قوما يشهدون بأنهم رأوه يكسر الأصنام ، أو لعلهم يشهدون طعنه على آلهتهم ؛ ليعلموا أنه يستحق العقاب .  
[ ص: 207 ] قلت : وفي هذا دليل على أنه كان لا يؤاخذ أحد بدعوى أحد فيما تقدم ؛ لقوله تعالى : 
فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون وهكذا الأمر في شرعنا ولا خلاف فيه .