قوله تعالى : 
ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين 
قوله تعالى : 
ومن الناس من يعبد الله على حرف   ( من ) في موضع رفع بالابتداء ، والتمام 
انقلب على وجهه على قراءة الجمهور ( خسر ) . وهذه الآية خبر عن المنافقين . قال 
ابن عباس    : يريد 
شيبة بن ربيعة  كان قد أسلم قبل أن يظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فلما أوحي إليه ارتد 
شيبة بن ربيعة    . وقال 
أبو سعيد الخدري    : 
أسلم رجل من اليهود  فذهب بصره ، وماله ، فتشاءم بالإسلام ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أقلني ! فقال : إن الإسلام لا يقال ، فقال : إني لم أصب في ديني هذا خيرا ! ذهب بصري ، ومالي ، وولدي ! فقال : يا يهودي ، إن الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد ، والفضة ، والذهب ؛ فأنزل الله تعالى : ومن الناس من يعبد الله على حرف   . وروى 
إسرائيل ،  عن 
أبي حصين ،  عن 
سعيد بن جبير ،  عن 
ابن عباس  قال : ( 
ومن الناس من يعبد الله على حرف قال : كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله قال هذا دين صالح ؛ فإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال هذا دين سوء )   . وقال المفسرون : نزلت في أعراب كانوا يقدمون على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسلمون ؛ فإن نالوا رخاء أقاموا ، وإن نالتهم شدة ارتدوا . وقيل : نزلت في 
النضر بن الحارث    . وقال 
ابن زيد  وغيره : نزلت في المنافقين . ومعنى 
على حرف على شك ، قاله 
مجاهد ،  وغيره . وحقيقته أنه على ضعف في عبادته كضعف القائم على حرف مضطرب فيه . وحرف كل شيء طرفه ، وشفيره ، وحده ؛ ومنه حرف الجبل ، وهو أعلاه المحدد . وقيل : 
على حرف أي على وجه واحد ، وهو أن يعبده   
[ ص: 18 ] على السراء دون الضراء ؛ ولو عبدوا الله على الشكر في السراء والصبر على الضراء لما عبدوا الله على حرف . وقيل : 
على حرف على شرط ؛ وذلك 
أن شيبة بن ربيعة  قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يظهر أمره : ادع لي ربك أن يرزقني مالا ، وإبلا ، وخيلا ، وولدا حتى أومن بك وأعدل إلى دينك ؛ فدعا له فرزقه الله - عز وجل - ما تمنى ؛ ثم أراد الله - عز وجل - فتنته واختباره وهو أعلم به ، فأخذ منه ما كان رزقه بعد أن أسلم فارتد عن الإسلام ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه : ومن الناس من يعبد الله على حرف يريد شرط . وقال 
الحسن    : هو المنافق يعبد الله بلسانه دون قلبه . وبالجملة فهذا الذي يعبد الله على حرف ليس داخلا بكليته ؛ 
فإن أصابه خير صحة جسم ورخاء معيشة رضي وأقام على دينه . 
وإن أصابته فتنة أي خلاف ذلك مما يختبر به 
انقلب على وجهه أي ارتد فرجع إلى وجهه الذي كان عليه من الكفر . 
خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين قرأ 
مجاهد ،  وحميد بن قيس ،   nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج ،   nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،  وابن أبي إسحاق    - وروي عن 
يعقوب    - ( خاسر الدنيا ) بألف نصبا على الحال ، وعليه فلا يوقف على ( وجهه ) . وخسرانه الدنيا بأن لا حظ في غنيمة ، ولا ثناء ، والآخرة بأن لا ثواب له فيها .