قوله تعالى : 
وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون فذرهم في غمرتهم حتى حين 
فيه أربع مسائل : 
الأولى : 
قوله تعالى : وإن هذه أمتكم أمة واحدة المعنى : هذا الذي تقدم ذكره هو دينكم وملتكم فالتزموه . والأمة هنا الدين ؛ وقد تقدم محامله ؛ ومنه قوله تعالى : 
إنا وجدنا آباءنا على أمة أي على دين . وقال 
النابغة    : 
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع 
الثانية : قرئ ( وإن هذه ) بكسر ( إن ) على القطع ، وبفتحها وتشديد النون . قال 
الخليل    : هي في موضع نصب لما زال الخافض ؛ أي أنا عالم بأن هذا دينكم الذي أمرتكم أن تؤمنوا به . وقال 
الفراء    : ( أن ) متعلقة بفعل مضمر تقديره : واعلموا أن هذه أمتكم . وهي عند 
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه  متعلقة بقوله : فاتقون ؛ والتقدير فاتقون لأن أمتكم واحدة . وهذا كقوله تعالى : 
وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ؛ أي لأن المساجد لله فلا تدعوا معه غيره . وكقوله : 
لإيلاف قريش ؛ أي فليعبدوا رب هذا البيت لإيلاف قريش . 
الثالثة : وهذه الآية تقوي أن قوله تعالى : 
يا أيها الرسل إنما هو مخاطبة لجميعهم ، وأنه بتقدير حضورهم . وإذا قدرت 
يا أيها الرسل مخاطبة 
لمحمد    - صلى الله عليه وسلم - فلق اتصال هذه الآية واتصال قوله : 
فتقطعوا   . أما أن قوله : 
وأنا ربكم فاتقون وإن كان قيل للأنبياء فأممهم داخلون فيه بالمعنى ؛ فيحسن بعد ذلك اتصال . 
فتقطعوا أي افترقوا ، يعني الأمم ، أي   
[ ص: 121 ] جعلوا دينهم أديانا بعد ما أمروا بالاجتماع . ثم ذكر تعالى أن كلا منهم معجب برأيه وضلالته وهذا غاية الضلال . 
الرابعة : هذه الآية تنظر إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500304ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة وهي الجماعة الحديث . خرجه 
أبو داود ،  ورواه 
الترمذي  وزاد : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500305قالوا ومن هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي خرجه من حديث 
عبد الله بن عمرو    . وهذا يبين أن 
الافتراق المحذر منه في الآية والحديث إنما هو في أصول الدين وقواعده ، لأنه قد أطلق عليها مللا ، وأخبر أن التمسك بشيء من تلك الملل موجب لدخول النار . ومثل هذا لا يقال في الفروع ، فإنه لا يوجب تعديد الملل ولا عذاب النار ؛ قال الله تعالى : 
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا   . 
قوله تعالى : زبرا يعني كتبا وضعوها وضلالات ألفوها ؛ قاله 
ابن زيد    . وقيل : إنهم فرقوا الكتب فاتبعت فرقة الصحف ، وفرقة التوراة ، وفرقة الزبور ، وفرقة الإنجيل ، ثم حرف الكل وبدل ؛ قاله 
قتادة    . وقيل : أخذ كل فريق منهم كتابا آمن به وكفر بما سواه . و زبرا بضم الباء قراءة 
نافع ،  جمع زبور . 
 nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ،  وأبو عمرو  بخلاف عنه زبرا بفتح الباء ، أي قطعا كقطع الحديد ؛ كقوله تعالى : 
آتوني زبر الحديد   . 
كل حزب أي فريق وملة . بما لديهم أي عندهم من الدين . فرحون أي معجبون به . وهذه الآية مثال 
لقريش  خاطب 
محمدا    - صلى الله عليه وسلم - في شأنهم متصلا بقوله : 
فذرهم في غمرتهم أي فذر هؤلاء الذين هم بمنزلة من تقدم ، ولا يضيق صدرك بتأخير العذاب عنهم ؛ فلكل شيء وقت . والغمرة في اللغة ما يغمرك ويعلوك ؛ وأصله الستر ؛ ومنه الغمر الحقد لأنه يغطي القلب . والغمر الماء الكثير لأنه يغطي الأرض . وغمر الرداء الذي يشمل الناس بالعطاء ؛ قال : 
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا     غلقت لضحكته رقاب المال 
المراد هنا الحيرة والغفلة والضلالة . ودخل فلان في غمار الناس ، أي في زحمتهم .   
[ ص: 122 ] قوله تعالى : 
حتى حين قال 
مجاهد    : حتى الموت ، فهو تهديد لا توقيت ؛ كما يقال : سيأتي لك يوم .