قوله تعالى : 
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا   .  
[ ص: 143 ] فيه مسألتان : 
الأولى : 
قوله تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة هذا عتاب للمتخلفين عن القتال ; أي كان لكم قدوة في النبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث بذل نفسه لنصرة دين الله في خروجه إلى الخندق . والأسوة : القدوة . وقرأ 
عاصم    ( أسوة ) بضم الهمزة . الباقون بالكسر ; وهما لغتان . والجمع فيهما واحد عند 
الفراء    . والعلة عنده في الضم على لغة من كسر في الواحدة : الفرق بين ذوات الواو وذوات الياء ; فيقولون كسوة وكسا ، ولحية ولحى . الجوهري : والأسوة والإسوة بالضم والكسر لغتان . والجمع أسى وإسى . وروى 
عقبة بن حسان الهجري  عن 
مالك بن أنس  عن 
نافع  عن 
ابن عمر  لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة قال : في جوع النبي صلى الله عليه وسلم ; ذكره 
 nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب أبو بكر أحمد  وقال : تفرد به 
عقبة بن حسان  عن 
مالك  ، ولم أكتبه إلا بهذا الإسناد . 
الثانية : قوله تعالى : ( أسوة ) الأسوة القدوة . والأسوة ما يتأسى به ; أي يتعزى به . فيقتدى به في جميع أفعاله ويتعزى به في جميع أحواله ; فلقد شج وجهه ، وكسرت رباعيته ، وقتل عمه 
حمزة  ، وجاع بطنه ، ولم يلف إلا صابرا محتسبا ، وشاكرا راضيا . وعن 
أنس بن مالك  nindex.php?page=hadith&LINKID=832339عن أبي طلحة  قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر ; فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين   . خرجه 
أبو عيسى الترمذي  وقال فيه : حديث غريب . وقال صلى الله عليه وسلم لما شج : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=830957اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون وقد تقدم . 
لمن كان يرجو الله واليوم الآخر قال 
سعيد بن جبير    : المعنى لمن كان يرجو لقاء الله بإيمانه ويصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأفعال . وقيل : أي لمن كان يرجو ثواب الله في اليوم الآخر . ولا يجوز عند الحذاق من النحويين أن يكتب يرجو إلا بغير ألف إذا كان لواحد ; لأن العلة التي في الجمع ليست في الواحد . وذكر الله كثيرا خوفا من عقابه ، ورجاء لثوابه . وقيل : إن لمن بدل من قوله : لكم ، ولا يجيزه 
البصريون    ; لأن الغائب لا يبدل من المخاطب ، وإنما اللام من لمن متعلقة ب ( حسنة ) ، و ( أسوة ) اسم كان و ( لكم ) الخبر . واختلف فيمن أريد بهذا الخطاب على قولين : أحدهما : المنافقون ; عطفا على ما تقدم من خطابهم . الثاني : المؤمنون ; لقوله : لمن كان يرجو الله واليوم الآخر . 
واختلف في 
هذه الأسوة بالرسول عليه السلام ، هل هي على الإيجاب أو على   [ ص: 144 ] الاستحباب   ; على قولين : أحدهما : على الإيجاب حتى يقوم دليل على الاستحباب . الثاني : على الاستحباب حتى يقوم دليل على الإيجاب . ويحتمل أن يحمل على الإيجاب في أمور الدين ، وعلى الاستحباب في أمور الدنيا .