قوله تعالى : لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور   . 
قوله تعالى : 
لقد كان لسبأ في مسكنهم آية قرأ 
نافع  وغيره بالصرف والتنوين على أنه اسم حي ، وهو في الأصل اسم رجل ; جاء بذلك التوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم روى 
الترمذي  قال : حدثنا 
أبو كريب   nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد  قالا حدثنا 
أبو أسامة  عن 
الحسن بن الحكم النخعي  قال حدثنا 
أبو سبرة النخعي  عن 
فروة بن مسيك المرادي  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=832420أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم ; فأذن لي في قتالهم وأمرني ; فلما خرجت من عنده سأل عني : ما فعل الغطيفي ؟ فأخبر أني قد سرت ، قال : فأرسل في أثري فردني فأتيته وهو في نفر من أصحابه فقال : ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه ، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك ; قال : وأنزل في سبأ  ما أنزل ; فقال رجل : يا رسول الله ، وما سبأ  ؟ أرض أو امرأة ؟ قال : ليس بأرض ولا بامرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة . فأما الذين تشاءموا فلخم  وجذام  وغسان  وعاملة    . وأما الذين تيامنوا فالأزد  والأشعريون  وحمير  وكندة  ومذحج  وأنمار    . فقال رجل : يا رسول الله وما أنمار  ؟ قال : الذين منهم خثعم  وبجيلة    . وروي هذا عن 
ابن عباس  عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال 
أبو عيسى    : هذا حديث حسن غريب . وقرأ 
ابن كثير  وأبو عمرو    ( 
لسبأ    ) بغير صرف ، جعله اسما للقبيلة ، وهو اختيار 
أبي عبيد  ، واستدل على أنه اسم قبيلة بأن بعده ( في مساكنهم ) . 
النحاس    : ولو كان كما قال لكان في مساكنها . وقد مضى في ( النمل ) زيادة بيان لهذا المعنى . وقال الشاعر في الصرف :  
[ ص: 256 ] الواردون وتيم في ذرى سبأ قد عض أعناقهم جلد الجواميس 
وقال آخر في غير الصرف : 
من سبأ  الحاضرين مأرب إذ     يبنون من دون سيلها العرما 
وقرأ 
قنبل   nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة  والجحدري    ( لسبأ ) بإسكان الهمزة . ( في مساكنهم ) قراءة العامة على الجمع ، وهي اختيار 
أبي عبيد  وأبي حاتم    ; لأن لهم مساكن كثيرة وليس بمسكن واحد . وقرأ 
إبراهيم  وحمزة  وحفص    ( مسكنهم ) موحدا ، إلا أنهم فتحوا الكاف . وقرأ يحيى 
 nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش   nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي  موحدا كذلك ، إلا أنهم كسروا الكاف . قال 
النحاس    : والساكن في هذا أبين ; لأنه يجمع اللفظ والمعنى ، فإذا قلت ( مسكنهم ) كان فيه تقديران : أحدهما : أن يكون واحدا يؤدي عن الجمع . والآخر : أن يكون مصدرا لا يثنى ولا يجمع ; كما قال الله تعالى : 
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فجاء بالسمع موحدا . وكذا 
مقعد صدق و ( مسكن ) مثل مسجد ، خارج عن القياس ، ولا يوجد مثله إلا سماعا . ( آية ) اسم كان ، أي علامة دالة على قدرة الله تعالى على أن لهم خالقا خلقهم ، وأن كل الخلائق لو اجتمعوا على أن يخرجوا من الخشبة ثمرة لم يمكنهم ذلك ، ولم يهتدوا إلى اختلاف أجناس الثمار وألوانها وطعومها وروائحها وأزهارها ، وفي ذلك ما يدل على أنها لا تكون إلا من عالم قادر . 
جنتان يجوز أن يكون بدلا من ( آية ) ، ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف ، فيوقف على هذا الوجه على آية وليس بتمام . قال 
الزجاج    : أي الآية جنتان ، فجنتان رفع لأنه خبر ابتداء محذوف . وقال 
الفراء    : رفع تفسيرا للآية ، ويجوز أن تنصب ( آية ) على أنها خبر كان ، ويجوز أن تنصب الجنتين على الخبر أيضا في غير القرآن . وقال 
عبد الرحمن بن زيد    : إن الآية التي كانت لأهل 
سبأ  في مساكنهم أنهم لم يروا فيها بعوضة قط ولا ذبابا ولا برغوثا ولا قملة ولا عقربا ولا حية ولا غيرها من الهوام ، وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل والدواب فإذا نظروا إلى بيوتهم ماتت الدواب   . وقيل : إن الآية هي الجنتان ، كانت المرأة تمشي فيهما وعلى رأسها مكتل فيمتلئ من أنواع الفواكه من غير أن تمسها بيدها ; قاله 
قتادة    . وروي أن الجنتين كانتا بين جبلين 
باليمن    . قال 
سفيان    : وجد فيهما قصران مكتوب على أحدهما : نحن بنينا سلحين في سبعين خريفا دائبين ، وعلى الآخر مكتوب : نحن بنينا صرواح ، مقيل ومراح ; فكانت إحدى الجنتين عن يمين الوادي والأخرى عن شماله   . قال 
القشيري    : ولم يرد جنتين اثنتين بل أراد من الجنتين يمنة ويسرة ; أي كانت بلادهم ذات بساتين   
[ ص: 257 ] وأشجار وثمار ; تستتر الناس بظلالها . 
كلوا من رزق ربكم أي قيل لهم كلوا ، ولم يكن ثم أمر ، ولكنهم تمكنوا من تلك النعم . وقيل : أي قالت الرسل لهم قد أباح الله تعالى لكم ذلك ; أي أباح لكم هذه النعم فاشكروه بالطاعة . 
من رزق ربكم أي من ثمار الجنتين . ( واشكروا له ) يعني على ما رزقكم . 
بلدة طيبة هذا كلام مستأنف ; أي هذه بلدة طيبة أي كثيرة الثمار . وقيل : غير سبخة . وقيل : طيبة ليس فيها هوام لطيب هوائها . قال 
مجاهد    : هي 
صنعاء    . 
ورب غفور أي والمنعم بها عليكم رب غفور يستر ذنوبكم ، فجمع لهم بين مغفرة ذنوبهم وطيب بلدهم ولم يجمع ذلك لجميع خلقه . وقيل : إنما ذكر المغفرة مشيرا إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام . وقد مضى القول في هذا في أول ( البقرة ) . وقيل : إنما امتن عليهم بعفوه عن عذاب الاستئصال بتكذيب من كذبوه من سالف الأنبياء إلى أن استداموا الإصرار فاستؤصلوا .