قوله تعالى : فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل   . 
قوله تعالى : ( فأعرضوا ) يعني عن أمره واتباع رسله بعد أن كانوا مسلمين قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  ووهب    : بعث إلى 
أهل سبأ  ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم . قال 
القشيري    : وكان لهم رئيس يلقب بالحمار ، وكانوا في زمن الفترة بين 
عيسى  ومحمد  صلى الله عليه وسلم . وقيل : كان له ولد فمات فرفع رأسه إلى السماء فبزق وكفر ; ولهذا يقال : أكفر من حمار . وقال 
الجوهري    : وقولهم ( أكفر من حمار ) هو رجل من عاد مات له أولاد فكفر كفرا عظيما ، فلا يمر بأرضه أحد إلا دعاه إلى الكفر ، فإن أجابه وإلا قتله . ثم لما سال السيل بجنتيهم تفرقوا في البلاد ; على ما يأتي بيانه . ولهذا قيل في المثل : ( تفرقوا أيادي سبأ ) . وقيل : 
الأوس  والخزرج  منهم . 
فأرسلنا عليهم سيل العرم و ( العرم ) فيما روي عن 
ابن عباس    : السد ؛ فالتقدير : سيل السد العرم . وقال 
عطاء    : ( العرم ) اسم الوادي . 
قتادة    : ( العرم ) 
وادي سبأ     ; كانت تجتمع إليه مسايل من الأودية ، قيل من البحر وأودية 
اليمن    ; فردموا ردما بين جبلين وجعلوا في ذلك الردم ثلاثة أبواب بعضها فوق بعض ، فكانوا يسقون من الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث على قدر حاجاتهم ; فأخصبوا وكثرت أموالهم ، فلما كذبوا الرسل سلط الله عليهم الفأر فنقب الردم . قال 
وهب    : كانوا يزعمون أنهم يجدون في علمهم وكهانتهم أنه يخرب سدهم فأرة فلم يتركوا فرجة بين صخرتين إلا ربطوا إلى جانبها هرة ; فلما جاء ما أراد الله تعالى بهم أقبلت فأرة حمراء إلى بعض   
[ ص: 258 ] تلك الهرر فساورتها حتى استأخرت عن الصخرة ودخلت في الفرجة التي كانت عندها ونقبت السد حتى أوهنته للسيل وهم لا يدرون ; فلما جاء السيل دخل تلك الخلل حتى بلغ السد وفاض الماء على أموالهم فغرقها ودفن بيوتهم   . وقال 
الزجاج    : ( العرم ) اسم الجرذ الذي نقب السكر عليهم ، وهو الذي يقال له الخلد - وقاله 
قتادة  أيضا - فنسب السيل إليه لأنه بسببه . وقد قال 
ابن الأعرابي  أيضا : ( العرم ) من أسماء الفأر . وقال 
مجاهد   nindex.php?page=showalam&ids=16406وابن أبي نجيح    : ( العرم ) ماء أحمر أرسله الله تعالى في السد فشقه وهدمه . 
وعن 
ابن عباس  أيضا أن ( العرم ) المطر الشديد . وقيل ( العرم ) بسكون الراء . وعن 
الضحاك  كانوا في الفترة بين 
عيسى  ومحمد  عليهما السلام . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12171عمرو بن شرحبيل    : ( العرم ) المسناة ; وقاله 
الجوهري  ، قال : ولا واحد لها من لفظها ، ويقال واحدها عرمة . وقال 
محمد بن يزيد    : ( العرم ) كل شيء حاجز بين شيئين ، وهو الذي يسمى السكر ، وهو جمع عرمة . 
النحاس    : وما يجتمع من مطر بين جبلين وفي وجهه مسناة فهو العرم ، والمسناة هي التي يسميها 
أهل مصر   الجسر ; فكانوا يفتحونها إذا شاءوا فإذا رويت جنتاهم سدوها . قال 
الهروي    : المسناة الضفيرة تبنى للسيل ترده ، سميت مسناة لأن فيها مفاتح الماء . وروي أن العرم سد بنته 
بلقيس  صاحبة 
سليمان  عليه الصلاة والسلام ، وهو المسناة بلغة 
حمير  ، بنته بالصخر والقار ، وجعلت له أبوابا ثلاثة بعضها فوق بعض ، وهو مشتق من العرامة وهي الشدة ، ومنه : رجل عارم ، أي شديد ، وعرمت العظم أعرمه وأعرمه عرما إذا عرقته ، وكذلك عرمت الإبل الشجر أي نالت منه . والعرام بالضم : العراق من العظم والشجر . وتعرمت العظم تعرقته . وصبي عارم بين العرام ( بالضم ) أي شرس . وقد عرم يعرم ويعرم عرامة ( بالفتح ) . والعرم العارم ; عن 
الجوهري    . 
قوله تعالى : وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وقرأ 
أبو عمرو    ( أكل خمط ) بغير تنوين مضافا . قال أهل التفسير والخليل : الخمط الأراك . 
الجوهري    : الخمط ضرب من الأراك له حمل يؤكل . وقال 
أبو عبيدة    : هو كل شجر ذي شوك فيه مرارة . 
الزجاج    : كل نبت فيه مرارة لا يمكن أكله . 
المبرد    : الخمط كل ما تغير إلى ما لا يشتهى . واللبن خمط إذا حمض . والأولى عنده في القراءة 
ذواتي أكل خمط بالتنوين على أنه نعت ل ( أكل ) أو بدل منه ; لأن الأكل هو الخمط بعينه عنده ، فأما الإضافة فباب جوازها أن يكون تقديرها ذواتي أكل حموضة أو أكل مرارة . وقال 
الأخفش    : والإضافة أحسن في كلام العرب ; نحو قولهم : ثوب خز . والخمط : اللبن الحامض ، وذكر 
أبو عبيد  أن اللبن إذا ذهب عنه حلاوة الحلب ولم يتغير طعمه فهو سامط ; وإن أخذ شيئا من الريح فهو خامط وخميط ، فإن أخذ شيئا من طعم فهو ممحل ، فإذا كان فيه طعم الحلاوة فهو فوهة . وتخمط الفحل : هدر . وتخمط فلان أي غضب وتكبر .  
[ ص: 259 ] وتخمط البحر أي التطم . وخمطت الشاة أخمطها خمطا : إذا نزعت جلدها وشويتها فهي خميط ، فإن نزعت شعرها وشويتها فهي سميط . والخمطة : الخمر التي قد أخذت ريح الإدراك كريح التفاح ولم تدرك بعد . ويقال هي الحامضة ; قاله 
الجوهري    . وقال 
القتبي  في أدب الكاتب . يقال للحامضة خمطة ، ويقال : الخمطة التي قد أخذت شيئا من الريح ; وأنشد : 
عقار كماء النيء ليست بخمطة ولا خلة يكوي الشروب شهابها 
( وأثل ) قال 
الفراء    : هو شبيه بالطرفاء إلا أنه أعظم منه طولا ; ومنه اتخذ منبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وللأثل أصول غليظة يتخذ منه الأبواب ، وورقه كورق الطرفاء ، الواحدة أثلة والجمع أثلات . وقال 
الحسن    : الأثل الخشب . 
قتادة    : هو ضرب من الخشب يشبه الطرفاء رأيته بفيد . وقيل هو السمر . وقال 
أبو عبيدة    : هو شجر النضار . النضار : الذهب . والنضار : خشب يعمل منه قصاع ، ومنه : قدح نضار . 
وشيء من سدر قليل قال 
الفراء    : هو السمر ; ذكره 
النحاس    . وقال 
الأزهري    : السدر من الشجر سدران : بري لا ينتفع به ولا يصلح ورقه للغسول وله ثمر عفص لا يؤكل ، وهو الذي يسمى الضال . والثاني : سدر ينبت على الماء وثمره النبق وورقه غسول يشبه شجر العناب . قال 
قتادة    : بينما شجر القوم من خير شجر إذ صيره الله تعالى من شر الشجر بأعمالهم ، فأهلك أشجارهم المثمرة وأنبت بدلها الأراك والطرفاء والسدر   . 
القشيري    : وأشجار البوادي لا تسمى جنة وبستانا ولكن لما وقعت الثانية في مقابلة الأولى أطلق لفظ الجنة ، وهو كقوله تعالى : 
وجزاء سيئة سيئة مثلها   . ويحتمل أن يرجع قوله ( قليل ) إلى جملة ما ذكر من الخمط والأثل والسدر .