1. الرئيسية
  2. تفسير القرطبي
  3. سورة البقرة
  4. قوله تعالى هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم
صفحة جزء
الرابعة : روى زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عندي شيء ، ولكن ابتع علي فإذا جاء شيء قضينا فقال له عمر : هذا أعطيت إذا كان عندك فما كلفك الله ما لا تقدر . فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قول عمر ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله :


أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا



فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرف السرور في وجهه لقول الأنصاري . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بذلك أمرت ) .
قال علماؤنا رحمة الله عليهم : فخوف الإقلال من سوء الظن بالله ; لأن الله تعالى خلق الأرض بما فيها لولد آدم ، وقال في تنزيله : خلق لكم ما في الأرض جميعا وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه . فهذه الأشياء كلها مسخرة للآدمي قطعا لعذره وحجة عليه ، ليكون له عبدا كما خلقه عبدا ، فإذا كان العبد حسن الظن بالله لم يخف الإقلال لأنه يخلف عليه ، كما قال تعالى : وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين وقال : فإن ربي غني كريم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : سبقت رحمتي غضبي ، يا ابن آدم أنفق أنفق عليك ، يمين الله ملأى سحا لا يغيضها شيء الليل والنهار . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا . ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا .

[ ص: 241 ] وكذا في المساء عند الغروب يناديان أيضا ، وهذا كله صحيح رواه الأئمة والحمد لله . فمن استنار صدره ، وعلم غنى ربه وكرمه أنفق ولم يخف الإقلال ، وكذلك من ماتت شهواته عن الدنيا واجتزأ باليسير من القوت المقيم لمهجته ، وانقطعت مشيئته لنفسه ، فهذا يعطي من يسره وعسره ولا يخاف إقلالا . وإنما يخاف الإقلال من له مشيئة في الأشياء ، فإذا أعطى اليوم وله غدا مشيئة في شيء خاف ألا يصيب غدا ، فيضيق عليه الأمر في نفقة اليوم لمخافة إقلاله . روى مسلم عن أسماء بنت أبي بكر قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم انفحي أو انضحي أو أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي عليك . وروى النسائي عن عائشة قالت : دخل علي سائل مرة وعندي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرت له بشيء ثم دعوت به فنظرت إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما تريدين ألا يدخل بيتك شيء ولا يخرج إلا بعلمك ؟ قلت : نعم ، قال : مهلا يا عائشة ، لا تحصي فيحصي الله عز وجل عليك .

التالي السابق


الخدمات العلمية