صفحة جزء
" لهم فيها فاكهة " ابتداء وخبر . " ولهم ما يدعون " الدال الثانية مبدلة من تاء ، لأنه يفتعلون من دعا أي : من دعا بشيء أعطيه . قاله أبو عبيدة ، فمعنى يدعون : يتمنون من الدعاء . وقيل : المعنى أن من ادعى منهم شيئا فهو له ، لأن الله تعالى قد طبعهم على ألا يدعي منهم أحد إلا ما يجمل ويحسن أن يدعيه . وقال يحيى بن سلام : يدعون : يشتهون . ابن عباس : يسألون . والمعنى متقارب . سلام قولا من رب رحيم قال ابن الأنباري : ولهم ما يدعون وقف حسن ، ثم تبتدئ : " سلام " على معنى ذلك [ ص: 43 ] لهم سلام . ويجوز أن يرفع السلام على معنى : ولهم ما يدعون مسلم خالص . فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على " ما يدعون " . وقال الزجاج : " سلام " مرفوع على البدل من " ما " أي : ولهم أن يسلم الله عليهم ، وهذا منى أهل الجنة .

وروي من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رءوسهم فإذا الرب تعالى قد اطلع عليهم من فوقهم فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة . فذلك قوله : سلام قولا من رب رحيم . فينظر إليهم وينظرون إليه ، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ، فيبقى نوره وبركاته عليهم في ديارهم ذكره الثعلبي والقشيري . ومعناه ثابت في صحيح مسلم ، وقد بيناه في [ يونس ] عند قوله تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ويجوز أن تكون " ما " نكرة ، و " سلام " نعتا لها ، أي : ولهم ما يدعون مسلم . ويجوز أن تكون " ما " رفع بالابتداء ، و " سلام " خبر عنها . وعلى هذه الوجوه لا يوقف على " ولهم ما يدعون " . وفي قراءة ابن مسعود " سلاما " يكون مصدرا ، وإن شئت في موضع الحال ، أي : ولهم ما يدعون ذا سلام أو سلامة أو مسلما ، فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على " يدعون " وقرأ محمد بن كعب القرظي " سلم " على الاستئناف كأنه قال : ذلك سلم لهم لا يتنازعون فيه . ويكون " ولهم ما يدعون " تاما . ويجوز أن يكون " سلام " بدلا من قوله : ولهم ما يدعون ، وخبر " ما يدعون " لهم . ويجوز أن يكون " سلام " خبرا آخر ، ويكون معنى الكلام أنه لهم خالص من غير منازع فيه . " قولا " مصدر على معنى : قال الله ذلك قولا . أو بقوله قولا ، ودل على الفعل المحذوف لفظ مصدره . ويجوز أن يكون المعنى : ولهم ما يدعون قولا ، أي : عدة من الله . فعلى هذا المذهب الثاني لا يحسن الوقف على " يدعون " . وقال السجستاني : الوقف على قوله : " سلام " تام ، وهذا خطأ ؛ لأن القول خارج مما قبله .

[ ص: 44 ] قوله تعالى : وامتازوا اليوم أيها المجرمون ويقال : تميزوا وأمازوا وامتازوا بمعنى ، ومزته فانماز وامتاز ، وميزته فتميز . أي : يقال لهم هذا عند الوقوف للسؤال حين يؤمر بأهل الجنة [ ص: 45 ] إلى الجنة ، أي : اخرجوا من جملتهم . قال قتادة : عزلوا عن كل خير . وقال الضحاك : يمتاز المجرمون بعضهم من بعض ، فيمتاز اليهود فرقة ، والنصارى فرقة ، والمجوس فرقة ، والصابئون فرقة ، وعبدة الأوثان فرقة . وعنه أيضا : إن لكل فرقة في النار بيتا تدخل فيه ويرد بابه ، فتكون فيه أبدا لا ترى ولا ترى . وقال داود بن الجراح : فيمتاز المسلمون من المجرمين ، إلا أصحاب الأهواء فيكونون مع المجرمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية