قوله تعالى : 
وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرينقوله تعالى : وما علمناه الشعر وما ينبغي له فيه أربع مسائل : 
الأولى : أخبر تعالى عن حال نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، ورد قول من قال من الكفار إنه شاعر ، وإن القرآن شعر ، بقوله : 
وما علمناه الشعر وما ينبغي له وكذلك كان رسول الله صلى عليه وسلم لا يقول الشعر ولا يزنه ، وكان إذا حاول إنشاد بيت قديم متمثلا كسر وزنه ، وإنما كان يحرز المعاني فقط صلى الله عليه وسلم . من ذلك أنه أنشد يوما قول 
طرفة    :  
[ ص: 49 ] ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك من لم تزوده بالأخبار 
وأنشد يوما وقد قيل له من أشعر الناس ؟ فقال : الذي يقول : 
ألم ترياني كلما جئت طارقا     وجدت بها وإن لم تطيب طيبا 
وأنشد يوما : 
أتجعل نهبي ونهب العبي     د بين الأقرع وعيينة 
وقد كان - عليه السلام - ربما أنشد البيت المستقيم في النادر . روي أنه أنشد بيت [ 
عبد الله بن رواحة    ] : 
يبيت يجافي جنبه عن فراشه     إذا استثقلت بالمشركين المضاجع 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن    : 
أنشد النبي - عليه السلام - : 
كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا 
فقال أبو بكر    - رضي الله عنه - : يا رسول الله إنما قال الشاعر : 
هريرة ودع إن تجهزت غاديا     كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا 
فقال أبو بكر  أو عمر    : أشهد أنك رسول الله ، يقول الله - عز وجل - : وما علمناه الشعر وما ينبغي له   . وعن 
الخليل بن أحمد    : كان الشعر أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كثير من الكلام ، ولكن لا يتأتى له . الثانية : إصابته الوزن أحيانا لا يوجب أنه يعلم الشعر ، وكذلك ما يأتي أحيانا من نثر كلامه ما يدخل في وزن ، كقوله يوم 
حنين  وغيره : 
هل أنت إلا إصبع دميت     وفي سبيل الله ما لقيت 
وقوله : 
أنا النبي لا كذب     أنا ابن عبد المطلب  
 [ ص: 50 ] فقد يأتي مثل ذلك في آيات القرآن ، وفي كل كلام ، وليس ذلك شعرا ولا في معناه ، كقوله تعالى : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وقوله : 
نصر من الله وفتح قريب وقوله : 
وجفان كالجواب وقدور راسيات إلى غير ذلك من الآيات . وقد ذكر 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي  منها آيات وتكلم عليها وأخرجها عن الوزن ، على أن 
أبا الحسن الأخفش  قال في قول : " أنا النبي لا كذب " ليس بشعر . وقال 
الخليل  في كتاب العين : إن ما جاء من السجع على جزأين لا يكون شعرا . وروي عنه أنه من منهوك الرجز . وقد قيل : لا يكون من منهوك الرجز إلا بالوقف على الباء من قوله : " لا كذب " ، ومن قوله : " 
عبد المطلب    " . ولم يعلم كيف قاله النبي صلى الله عليه وسلم . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي    : والأظهر من حاله أنه قال : " لا كذب " الباء مرفوعة ، ويخفض الباء من 
عبد المطلب  على الإضافة . وقال 
النحاس  قال بعضهم : إنما الرواية بالإعراب ، وإذا كانت بالإعراب لم يكن شعرا ، لأنه إذا فتح الباء من البيت الأول أو ضمها أو نونها ، وكسر الباء من البيت الثاني خرج عن وزن الشعر . وقال بعضهم : ليس هذا الوزن من الشعر . وهذا مكابرة العيان ، لأن أشعار العرب على هذا قد رواها 
الخليل  وغيره . وأما قوله : " هل أنت إلا إصبع دميت " فقيل إنه من بحر السريع ، وذلك لا يكون إلا إذا كسرت التاء من ( دميت ) ، فإن سكن لا يكون شعرا بحال ، لأن هاتين الكلمتين على هذه الصفة تكون ( فعول ) ، ولا مدخل لفعول في بحر السريع . ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالها ساكنة التاء أو متحركة التاء من غير إشباع . والمعول عليه في الانفصال على تسليم أن هذا شعر ، ويسقط الاعتراض ، ولا يلزم منه أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - عالما بالشعر ولا شاعرا - أن التمثل بالبيت النزر وإصابة القافيتين من الرجز وغيره ، لا يوجب أن يكون قائلها عالما بالشعر ، ولا يسمى شاعرا باتفاق العلماء ، كما أن من خاط خيطا لا يكون خياطا . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14416أبو إسحاق الزجاج    : 
معنى : وما علمناه الشعر وما علمناه أن يشعر ، أي : ما جعلناه شاعرا ، وهذا لا يمنع أن ينشد شيئا من الشعر . قال 
النحاس    : وهذا من أحسن ما قيل في هذا . وقد قيل : إنما خبر الله - عز وجل - أنه ما علمه الله الشعر ولم يخبر أنه لا ينشد شعرا ، وهذا ظاهر الكلام . وقيل : فيه قول بين ، زعم صاحبه أنه إجماع من أهل اللغة ، وذلك أنهم قالوا : كل من قال قولا موزونا لا يقصد به إلى شعر فليس بشعر ، وإنما وافق الشعر . وهذا قول بين . قالوا : وإنما الذي نفاه الله عن نبيه - عليه السلام - فهو العلم بالشعر وأصنافه ، وأعاريضه وقوافيه والاتصاف بقوله ، ولم يكن موصوفا بذلك بالاتفاق . ألا ترى أن 
قريشا   [ ص: 51 ] تراوضت فيما يقولون للعرب فيه إذا قدموا عليهم الموسم ، فقال بعضهم : نقول إنه شاعر . فقال أهل الفطنة منهم : والله لتكذبنكم العرب ، فإنهم يعرفون أصناف الشعر ، فوالله ما يشبه شيئا منها ، وما قوله بشعر . 
وقال 
أنيس أخو أبي ذر    : لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم أنه شعر . أخرجه 
مسلم  ، وكان 
أنيس  من أشعر العرب ، وكذلك 
عتبة بن أبي ربيعة  لما كلمه : والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ، على ما يأتي بيانه من خبره في سورة [ فصلت ] إن شاء الله تعالى . وكذلك قال غيرهما من فصحاء العرب العرباء ، واللسن البلغاء . ثم إن ما يجري على اللسان من موزون الكلام لا يعد شعرا ، وإنما يعد منه ما يجري على وزن الشعر مع القصد إليه ، فقد يقول القائل : حدثنا شيخ لنا وينادي يا صاحب 
الكسائي  ، ولا يعد هذا شعرا . وقد كان رجل ينادي في مرضه وهو من عرض العامة العقلاء : اذهبوا بي إلى الطبيب وقولوا قد اكتوى . 
الثالثة : روى 
ابن القاسم  عن 
مالك  أنه سئل عن 
إنشاد الشعر فقال : لا تكثرن منه ، فمن عيبه أن الله يقول : 
وما علمناه الشعر وما ينبغي له قال : ولقد بلغني أن 
عمر بن الخطاب    - رضي الله عنه - - كتب إلى 
 nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري    : أن اجمع الشعراء قبلك ، وسلهم عن الشعر ، وهل بقي معهم معرفة ، وأحضر 
لبيدا  ذلك ، قال : فجمعهم فسألهم فقالوا : إنا لنعرفه ونقوله . وسأل 
لبيدا  فقال : ما قلت شعرا منذ سمعت الله - عز وجل - يقول : الم ذلك الكتاب لا ريب فيه . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي    : هذه الآية ليست من عيب الشعر ، كما لم يكن قوله : وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك من عيب الكتابة ، فلما لم تكن الأمية من عيب الخط ، كذلك لا يكون نفي النظم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عيب الشعر . 
روي أن 
المأمون  قال 
لأبي علي المنقري    : بلغني أنك أمي ، وأنك لا تقيم الشعر ، وأنك تلحن . فقال : يا أمير المؤمنين ، أما اللحن فربما سبق لساني منه بشيء ، وأما الأمية وكسر الشعر فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكتب ولا يقيم الشعر . فقال له : سألتك عن ثلاثة عيوب فيك فزدتني رابعا وهو الجهل ، يا جاهل! إن ذلك كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - فضيلة ، وهو فيك وفي أمثالك نقيصة ، وإنما منع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لنفي الظنة عنه ، لا لعيب في الشعر والكتابة   . 
الرابعة : قوله تعالى : 
وما ينبغي له أي : وما ينبغي له أن يقوله . وجعل الله - جل وعز - ذلك علما من أعلام نبيه - عليه السلام - لئلا تدخل الشبهة على من أرسل إليه ، فيظن أنه قوي على القرآن بما في طبعه من القوة على الشعر . ولا اعتراض لملحد على هذا بما يتفق الوزن فيه من   
[ ص: 52 ] القرآن وكلام الرسول ، لأن ما وافق وزنه وزن الشعر ، ولم يقصد به إلى الشعر ليس بشعر ، ولو كان شعرا لكان كل من نطق بموزون من العامة الذين لا يعرفون الوزن شاعرا ، على ما تقدم بيانه . وقال 
الزجاج    : معنى وما ينبغي له أي : ما يتسهل له قول الشعر لا الإنشاء . 
إن هو إلا ذكر وقرآن مبين أي : هذا الذي يتلوه عليكم إلا ذكر وقرآن مبين 
قوله تعالى : 
لينذر من كان حيا أي حي القلب ، قال 
قتادة    . 
الضحاك    : عاقلا . وقيل : المعنى لتنذر من كان مؤمنا في علم الله . هذا على قراءة التاء خطابا للنبي - عليه السلام - ، وهي قراءة 
نافع  وابن عامر    . وقرأ الباقون بالياء على معنى لينذر الله - عز وجل - ، أو لينذر 
محمد    - صلى الله عليه وسلم - ، أو لينذر القرآن . وروي عن 
ابن السميقع    " لينذر " بفتح الياء والذال . 
ويحق القول على الكافرين أي وتجب الحجة بالقرآن على الكفرة .