قوله تعالى : 
أومن ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون   . 
قوله تعالى : أومن ينشؤ في الحلية   . فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : 
أومن ينشؤ أي يربى ويشب . والنشوء : التربية ، يقال : نشأت في بني فلان نشئا ونشوءا إذا شببت فيهم . ونشئ وأنشئ بمعنى . وقرأ 
ابن عباس  والضحاك  وابن وثاب  وحفص  وحمزة   nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي  وخلف ( ينشؤ ) بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين ، أي : يربى ويكبر في الحلية . واختاره 
أبو عبيد  ، لأن الإسناد فيها أعلى . وقرأ الباقون ( ينشأ ) بفتح   
[ ص: 67 ] الياء وإسكان النون ، واختاره 
أبو حاتم  ، أي : يرسخ وينبت ، وأصله من نشأ أي : ارتفع ، قاله 
الهروي    . فينشأ متعد ، و ( ينشأ ) لازم . 
الثانية : قوله تعالى : 
في الحلية أي في الزينة . قال 
ابن عباس  وغيره : هن الجواري زيهن غير زي الرجال . قال 
مجاهد    : 
رخص للنساء في الذهب والحرير ، وقرأ هذه الآية . قال 
إلكيا    : فيه دلالة على إباحة الحلي للنساء ، والإجماع منعقد عليه والأخبار فيه لا تحصى . 
قلت : روي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  أنه كان يقول لابنته : يا بنية ، إياك والتحلي بالذهب! فإني أخاف عليك اللهب   . 
قوله تعالى : 
وهو في الخصام غير مبين أي في المجادلة والإدلاء بالحجة . قال 
قتادة  ، ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها على نفسها   . وفي مصحف 
عبد الله    ( وهو في الكلام غير مبين ) ومعنى الآية : أيضاف إلى الله من هذا وصفه! أي : لا يجوز ذلك . وقيل : المنشأ في الحلية أصنامهم التي صاغوها من ذهب وفضة وحلوها ، قال 
ابن زيد  والضحاك    . ويكون معنى 
وهو في الخصام غير مبين على هذا القول : أي : ساكت عن الجواب . و ( من ) في محل نصب ، أي : اتخذوا لله من ينشأ في الحلية . ويجوز أن يكون رفعا على الابتداء ، والخبر مضمر ، قاله 
الفراء    . وتقديره : أومن كان على هذه الحالة يستحق العبادة . وإن شئت قلت خفض ردا إلى أول الكلام وهو قوله : 
بما ضرب أو على ما في قوله : 
مما يخلق بنات وكون البدل في هذين الموضعين ضعيف لكون ألف الاستفهام حائلة بين البدل والمبدل منه . 
وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا قرأ 
الكوفيون    ( عباد ) بالجمع . واختاره 
أبو عبيد ;  لأن الإسناد فيها أعلى ، ولأن الله تعالى إنما كذبهم في قولهم إنهم بنات الله ، فأخبرهم أنهم عبيد وأنهم ليسوا ببناته . وعن 
ابن عباس  أنه قرأ 
عباد الرحمن ، فقال 
سعيد بن جبير    : إن في مصحفي ( عند الرحمن ) فقال : امحها واكتبها 
عباد الرحمن وتصديق هذه القراءة قوله تعالى : 
بل عباد مكرمون   . وقوله تعالى : 
أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء   . وقوله تعالى : 
إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم وقرأ الباقون ( عند الرحمن ) بنون ساكنة واختاره 
أبو حاتم    . وتصديق هذه   
[ ص: 68 ] القراءة قوله تعالى : 
إن الذين عند ربك وقوله : 
وله من في السماوات والأرض ومن عنده   . والمقصود إيضاح كذبهم وبيان جهلهم في نسبة الأولاد إلى الله سبحانه ، ثم في تحكمهم بأن الملائكة إناث وهم بنات الله . وذكر العباد مدح لهم ، أي : كيف عبدوا من هو نهاية العبادة ، ثم كيف حكموا بأنهم إناث من غير دليل . والجعل هنا بمعنى القول والحكم ، تقول : جعلت زيدا أعلم الناس ، أي : حكمت له بذلك . 
أشهدوا خلقهم أي : أحضروا حالة خلقهم حتى حكموا بأنهم إناث . وقيل : 
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - سألهم وقال : فما يدريكم أنهم إناث ؟ فقالوا : سمعنا بذلك من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا في أنهم إناث ، فقال الله تعالى : ستكتب شهادتهم ويسألون أي : يسألون عنها في الآخرة . وقرأ 
نافع    ( أوشهدوا ) بهمزة استفهام داخلة على همزة مضمومة مسهلة ، ولا يمد سوى ما روى 
المسيبي  عنه أنه يمد . وروى 
المفضل  عن 
عاصم  مثل ذلك وتحقق الهمزتين . والباقون ( أشهدوا ) بهمزة واحدة للاستفهام . 
وروي عن 
الزهري    ( أشهدوا خلقهم ) على الخبر ، ( ستكتب ) قراءة العامة بضم التاء على الفعل المجهول ( شهادتهم ) رفعا . وقرأ 
السلمي  وابن السميقع  وهبيرة  عن 
حفص    ( سنكتب ) بنون ، ( شهادتهم ) نصبا بتسمية الفاعل . وعن 
أبي رجاء    ( ستكتب شهاداتهم ) بالجمع .