قوله تعالى : قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون   . 
قوله تعالى : 
قل للذين آمنوا يغفروا جزم على جواب قل تشبيها بالشرط والجزاء كقولك : قم تصب خيرا . وقيل : هو على حذف اللام . وقيل : على معنى قل لهم اغفروا يغفروا ، فهو جواب أمر محذوف دل الكلام عليه ، قاله 
علي بن عيسى  واختاره 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي    . ونزلت الآية بسبب أن رجلا من 
قريش  شتم 
عمر بن الخطاب  فهم أن يبطش به . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي    : وهذا لم يصح . وذكر 
الواحدي  والقشيري  وغيرهما عن 
ابن عباس  أن الآية نزلت في 
عمر  مع 
عبد الله بن أبي  في غزوة 
بني المصطلق  ، فإنهم نزلوا على بئر يقال لها ( 
المريسيع    ) فأرسل 
عبد الله  غلامه ليستقي ، وأبطأ عليه فقال : ما حبسك ؟ قال : غلام 
عمر بن الخطاب  قعد على فم البئر ، فما ترك أحدا يستقي حتى ملأ قرب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرب 
أبي بكر  ، وملأ لمولاه . فقال 
عبد الله    : ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل : سمن كلبك يأكلك . فبلغ 
عمر   [ ص: 151 ]   - رضي الله عنه - قوله ، فاشتمل على سيفه يريد التوجه إليه ليقتله ، فأنزل الله هذه الآية . هذه رواية 
عطاء  عن 
ابن عباس    . وروى عنه 
 nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران  قال : 
لما نزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال يهودي بالمدينة  يقال له فنحاص    : احتاج رب محمد    ! قال : فلما سمع عمر  بذلك اشتمل على سيفه وخرج في طلبه ، فجاء جبريل    - عليه السلام - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( إن ربك يقول لك قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله   ) . واعلم أن عمر  قد اشتمل على سيفه وخرج في طلب اليهودي ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبه ، فلما جاء قال : ( يا عمر  ، ضع سيفك ) قال : يا رسول الله ، صدقت . أشهد أنك أرسلت بالحق . قال : ( فإن ربك يقول : قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله   ) قال : لا جرم! والذي بعثك بالحق لا ترى الغضب في وجهي . 
قلت : وما ذكره 
المهدوي  والنحاس  فهو رواية 
الضحاك  عن 
ابن عباس  ، وهو قول 
القرظي   nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي  ، وعليه يتوجه النسخ في الآية . وعلى أن الآية نزلت 
بالمدينة  أو في غزوة 
بني المصطلق  فليست بمنسوخة . ومعنى يغفروا يعفوا ويتجاوزوا . ومعنى : لا يرجون أيام الله أي : لا يرجون ثوابه . وقيل : أي : لا يخافون بأس الله ونقمه . وقيل : الرجاء بمعنى الخوف ، كقوله : 
ما لكم لا ترجون لله وقارا أي : لا تخافون له عظمة . والمعنى : لا تخشون مثل عذاب الأمم الخالية . والأيام يعبر بها عن الوقائع . وقيل : لا يأملون نصر الله لأوليائه وإيقاعه بأعدائه . وقيل : المعنى لا يخافون البعث . 
ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ، قراءة العامة ليجزي بالياء على معنى ليجزي الله . وقرأ 
حمزة   nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي  وابن عامر    ( لنجزي ) بالنون على التعظيم . وقرأ 
أبو جعفر   nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج  وشيبة ( ليجزى ) بياء مضمومة وفتح الزاي على الفعل المجهول ، قوما بالنصب . قال 
أبو عمرو    : وهذا لحن ظاهر . وقال 
الكسائي    : معناه ليجزي الجزاء قوما ، نظيره : ( وكذلك نجي المؤمنين ) على قراءة 
ابن عامر  وأبي بكر  في سورة ( الأنبياء ) قال الشاعر : 
ولو ولدت قفيرة جرو كلب لسب بذلك الجرو الكلابا 
 [ ص: 152 ] أي : لسب السب . 
من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون تقدم . .