صفحة جزء
[ ص: 211 ] الرابعة : قوله تعالى : حتى تضع الحرب أوزارها قال مجاهد وابن جبير : هو خروج عيسى عليه السلام . وعن مجاهد أيضا : أن المعنى حتى لا يكون دين إلا دين الإسلام ، فيسلم كل يهودي ونصراني وصاحب ملة ، وتأمن الشاة من الذئب . ونحوه عن الحسن والكلبي والفراء والكسائي . قال الكسائي : حتى يسلم الخلق . وقال الفراء : حتى يؤمنوا ويذهب الكفر . وقال الكلبي : حتى يظهر الإسلام على الدين كله . وقال الحسن : حتى لا يعبدوا إلا الله . وقيل : معنى الأوزار السلاح ، فالمعنى شدوا الوثاق حتى تأمنوا وتضعوا السلاح . وقيل : معناه حتى تضع الحرب ، أي : الأعداء المحاربون أوزارهم ، وهو سلاحهم بالهزيمة أو الموادعة . ويقال للكراع أوزار . قال الأعشى :


وأعددت للحرب أوزارها رماحا طوالا وخيلا ذكورا     ومن نسج داود يحدى بها
على أثر الحي عيرا فعيرا



وقيل : حتى تضع الحرب أوزارها أي : أثقالها . والوزر الثقل ، ومنه وزير الملك لأنه يتحمل عنه الأثقال . وأثقالها السلاح لثقل حملها . قال ابن العربي : قال الحسن وعطاء : في الآية تقديم وتأخير ، المعنى فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها فإذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، وليس للإمام أن يقتل الأسير . وقد روي عن الحجاج أنه دفع أسيرا إلى عبد الله بن عمر ليقتله فأبى وقال : ليس بهذا أمرنا الله ، وقرأ حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق قلنا : قد قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعله ، وليس في تفسير الله للمن والفداء منع من غيره ، فقد بين الله في الزنى حكم الجلد ، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم الرجم ، ولعل ابن عمر كره ذلك من يد الحجاج فاعتذر بما قال ، وربك أعلم .

قوله تعالى : ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ذلك في موضع رفع على ما تقدم ، أي : الأمر ذلك الذي ذكرت وبينت . وقيل : هو منصوب على معنى افعلوا ذلك . ويجوز أن يكون مبتدأ ، المعنى ذلك حكم الكفار . وهي كلمة يستعملها الفصيح عند الخروج من كلام إلى كلام ، وهو كما قال تعالى : هذا وإن للطاغين لشر مآب . أي : هذا حق وأنا أعرفكم أن للظالمين كذا . ومعنى : لانتصر منهم أي : أهلكهم بغير قتال . وقال ابن عباس : لأهلكهم بجند من الملائكة . ولكن ليبلو بعضكم ببعض أي أمركم بالحرب ليبلو ويختبر بعضكم ببعض فيعلم المجاهدين والصابرين ، كما في السورة نفسها . والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم يريد قتلى أحد من المؤمنين

قراءة العامة ( قاتلوا ) وهي اختيار أبي عبيد . وقرأ أبو عمرو وحفص قتلوا بضم القاف وكسر التاء ، وكذلك قرأ الحسن [ ص: 212 ] إلا أنه شدد التاء على التكثير . وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وأبو حيوة ( قتلوا ) بفتح القاف والتاء من غير ألف ، يعني الذين قتلوا المشركين . قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشعب ، وقد فشت فيهم الجراحات والقتل ، وقد نادى المشركون : اعل هبل . ونادى المسلمون : الله أعلى وأجل . وقال المشركون : يوم بيوم بدر والحرب سجال . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : قولوا لا سواء . قتلانا أحياء عند ربهم يرزقون وقتلاكم في النار يعذبون . فقال المشركون : إن لنا العزى ولا عزى لكم . فقال المسلمون : الله مولانا ولا مولى لكم . وقد تقدم ذكر ذلك في ( آل عمران ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية