الخامسة : قوله : ( إلا إبليس ) نصب على الاستثناء المتصل ; لأنه كان من الملائكة على قول الجمهور : 
ابن عباس   nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود   nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج   nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب  وقتادة  وغيرهم ، وهو اختيار الشيخ 
أبي الحسن  ، ورجحه 
الطبري  ، وهو ظاهر الآية . قال 
ابن عباس    : وكان اسمه عزازيل   
[ ص: 279 ] وكان من أشراف الملائكة وكان من الأجنحة الأربعة ثم أبلس بعد . روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب  عن 
عكرمة  عن 
ابن عباس  قال : كان إبليس من الملائكة فلما عصى الله غضب عليه فلعنه فصار شيطانا   . وحكى 
 nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي  عن 
قتادة    : أنه كان من أفضل صنف من الملائكة يقال لهم الجنة . وقال 
سعيد بن جبير    : إن الجن سبط من الملائكة خلقوا من نار وإبليس منهم ، وخلق سائر الملائكة من نور   . وقال 
ابن زيد  والحسن  وقتادة  أيضا : إبليس أبو الجن كما أن 
آدم  أبو البشر ولم يكن ملكا ، وروي نحوه عن 
ابن عباس  وقال : اسمه 
الحارث    . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب  وبعض الأصوليين : كان من الجن الذين كانوا في الأرض وقاتلتهم الملائكة فسبوه صغيرا وتعبد مع الملائكة وخوطب ، وحكاه 
الطبري  عن 
ابن مسعود .  والاستثناء على هذا منقطع ، مثل قوله تعالى : 
ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وقوله : 
إلا ما ذكيتم في أحد القولين ، وقال الشاعر : 
ليس عليك عطش ولا جوع إلا الرقاد والرقاد ممنوع 
واحتج بعض أصحاب هذا القول بأن الله جل وعز وصف الملائكة فقال : 
لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وقوله تعالى : 
إلا إبليس كان من الجن والجن غير الملائكة . أجاب أهل المقالة الأولى بأنه لا يمتنع أن يخرج إبليس من جملة الملائكة لما سبق في علم الله بشقائه ؛ عدلا منه ، لا يسأل عما يفعل ، وليس في خلقه من نار ولا في تركيب الشهوة حين غضب عليه - ما يدفع أنه من الملائكة . وقول من قال : إنه كان من جن الأرض فسبي ، فقد روي في مقابلته أن إبليس هو الذي قاتل الجن في الأرض مع جند من الملائكة ، حكاه 
المهدوي  وغيره . وحكى 
الثعلبي  عن 
ابن عباس    : أن إبليس كان من حي من أحياء الملائكة يقال لهم 
الجن خلقوا من نار السموم ، وخلقت الملائكة من نور ، وكان اسمه بالسريانية عزازيل ، وبالعربية 
الحارث  ، وكان من خزان الجنة وكان رئيس ملائكة السماء الدنيا وكان له سلطانها وسلطان الأرض ، وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض ، فرأى لنفسه بذلك شرفا وعظمة ، فذلك الذي دعاه إلى الكفر فعصى الله فمسخه شيطانا رجيما . فإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه ، وإن كانت خطيئته في معصية فارجه ، وكانت خطيئة آدم عليه السلام معصية ، وخطيئة إبليس كبرا .  
[ ص: 280 ] والملائكة قد تسمى جنا لاستتارها ، وفي التنزيل : 
وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ، وقال الشاعر في ذكر 
سليمان  عليه السلام : 
وسخر من جن الملائك تسعة     قياما لديه يعملون بلا أجر 
وأيضا لما كان من خزان الجنة نسب إليها فاشتق اسمه من اسمها ، والله أعلم . وإبليس وزنه إفعيل ، مشتق من الإبلاس وهو اليأس من رحمة الله تعالى . ولم ينصرف ; لأنه معرفة ولا نظير له في الأسماء فشبه بالأعجمية ، قال أبو عبيدة وغيره . وقيل : هو أعجمي لا اشتقاق له فلم ينصرف للعجمة والتعريف ، قاله 
الزجاج  وغيره .