صفحة جزء
[ ص: 180 ] قوله تعالى : وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم

قوله تعالى : وكنتم أزواجا ثلاثة أي أصنافا ثلاثة كل صنف يشاكل ما هو منه ، كما يشاكل الزوج الزوجة ، ثم بين من هم فقال : فأصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون .

فأصحاب الميمنة هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة ، وأصحاب المشأمة هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار ؛ قاله السدي . والمشأمة الميسرة وكذلك الشأمة . يقال : قعد فلان شأمة . ويقال : يا فلان شائم بأصحابك ، أي خذ بهم شأمة أي ذات الشمال . والعرب تقول لليد الشمال الشؤمى ، وللجانب الشمال الأشأم . وكذلك يقال لما جاء عن اليمين : اليمن ، ولما جاء عن الشمال : الشؤم . وقال ابن عباس والسدي : أصحاب الميمنة هم الذين كانوا عن يمين حين أخرجت الذرية من صلبه فقال الله لهم : هؤلاء في الجنة ولا أبالي . وقال زيد بن أسلم : أصحاب الميمنة هم الذين أخذوا من شق آدم الأيمن يومئذ ، وأصحاب المشأمة الذين أخذوا من شق آدم الأيسر . وقال عطاء ومحمد بن كعب : أصحاب الميمنة من أوتي كتابه بيمينه ، وأصحاب المشأمة من أوتي كتابه بشماله . وقال ابن جريج : أصحاب الميمنة هم أهل الحسنات ، وأصحاب المشأمة هم أهل السيئات . وقال الحسن والربيع : أصحاب الميمنة الميامين على أنفسهم بالأعمال الصالحة ، وأصحاب المشأمة المشائيم على أنفسهم بالأعمال السيئة القبيحة . وفي صحيح مسلم من حديث الإسراء عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة - قال - فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى - قال - فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح - قال - قلت : يا جبريل من هذا قال هذا آدم عليه السلام وهذه الأسودة التي عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار وذكر الحديث . وقال المبرد : وأصحاب الميمنة أصحاب التقدم ، وأصحاب الشأمة أصحاب التأخر . والعرب تقول : اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك ، أي : اجعلني من المتقدمين ولا تجعلنا من المتأخرين . والتكرير في ما أصحاب الميمنة و ما أصحاب المشأمة [ ص: 181 ] للتفخيم والتعجيب ، كقوله : الحاقة ما الحاقة و القارعة ما القارعة كما يقال : زيد ، ما زيد ! وفي حديث أم زرع رضي الله عنها : مالك وما مالك ! والمقصود تكثير ما لأصحاب الميمنة من الثواب ولأصحاب المشأمة من العقاب . وقيل : " أصحاب " رفع بالابتداء والخبر ما أصحاب الميمنة كأنه قال : فأصحاب الميمنة ما هم ؟ ، المعنى : أي شيء هم ؟ . وقيل : يجوز أن تكون " ما " تأكيدا ، والمعنى فالذين يعطون كتابهم بأيمانهم هم أصحاب التقدم وعلو المنزلة .

قوله تعالى : والسابقون السابقون روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : السابقون الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم ذكره المهدوي . وقال محمد بن كعب القرظي : إنهم الأنبياء . الحسن وقتادة : السابقون إلى الإيمان من كل أمة . ونحوه عن عكرمة . محمد بن سيرين : هم الذين صلوا إلى القبلتين ، دليله قوله تعالى : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار . وقال مجاهد وغيره : هم السابقون إلى الجهاد ، وأول الناس رواحا إلى الصلاة . وقال علي رضي الله عنه : هم السابقون إلى الصلوات الخمس . الضحاك : إلى الجهاد . سعيد بن جبير : إلى التوبة وأعمال البر ، قال الله تعالى : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ثم أثنى عليهم فقال : أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون . وقيل : إنهم أربعة ، منهم سابق أمة موسى وهو حزقيل مؤمن آل فرعون ، وسابق أمة عيسى وهو حبيب النجار صاحب أنطاكية ، وسابقان في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ؛ قاله ابن عباس ؛ حكاه الماوردي . وقال شميط بن [ ص: 182 ] العجلان : الناس ثلاثة ، فرجل ابتكر للخير في حداثة سنه داوم عليه حتى خرج من الدنيا فهذا هو السابق المقرب ، ورجل ابتكر عمره بالذنوب ثم طول الغفلة ثم رجع بتوبته حتى ختم له بها فهذا من أصحاب اليمين ، ورجل ابتكر عمره بالذنوب ثم لم يزل عليها حتى ختم له بها فهذا من أصحاب الشمال . وقيل : هم كل من سبق إلى شيء من أشياء الصلاح . ثم قيل : السابقون رفع بالابتداء والثاني توكيد له والخبر أولئك المقربون وقال الزجاج : السابقون رفع بالابتداء والثاني خبره ، والمعنى : السابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله أولئك المقربون من صفتهم . وقيل : إذا خرج رجل من السابقين المقربين من منزله في الجنة كان له ضوء يعرفه به من دونه .

التالي السابق


الخدمات العلمية